ذات مرة، قال احد الرجال للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اتق الله يا أمير المؤمنين، فقال له رجل من القوم: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله؟ فقال عمر: دعه فليقلها لي! لاخير فيكم اذا لم تقولوها لنا، ولا خير فينا اذا لم نقبلها منكم..
لعل في هذه الحكاية اختصارا رائعا لما يجب ان تكون عليه العلاقة بين الحاكم وشعبه وبين المسؤول والمواطنين وبين رب العمل ومرؤوسيه فهي دلالة على حرية التعبير عن الرأي لدى الرعية وديمقراطية الراعي وهو ما كان يصبو اليه العراقيون زمنا وتحقق لهم في السنوات الاخيرة بشكل مبتسر فلا ضير ان تعبر عن رأيك بحرية ولن يمنعك احد من التظاهر مثلا للتعبير عنه لكن الخطوط الحمراء مازالت موجودة ولا سبيل للقفز فوقها غالبا فهناك تظاهرات مسموح بها واخرى يتم منعها بإغلاق الطرق وضرب المتظاهرين او اعتقالهم وهناك قنوات وصحف تسمح لك بمهاجمة مسؤول دون آخر بل تضع امامك ضوابط احيانا وتكمم فمك اذا اردت التعبير عن رأيك حتى فيما يخص الظواهر الاجتماعية السلبية لأن هذا لا يتلائم مع الظرف الحالي الذي يتطلب منا تجميل كل ما تشوه في السنوات الاخيرة لكي لا يشمت بنا أعداء التغيير..
لم يبق أمام العراقيين اذن الا مواقع التواصل الاجتماعي يبثون فيها لواعجهم الخاصة والعامة لكي لا يصابوا على الأقل بأمراض نفسية مزمنة فهم حين ينتقدون شخصا او ظاهرة مثلا يخففون من أعباء الألم داخل نفوسهم وينبهون الى شيء خاطئ يحتاج الى تقويم لأن (الانتقاد قد لا يكون محببا لكنه ضروري لأنه يقوم بنفس وظيفة الألم في جسم الإنسان وينبهنا الى أمر غير صحي) كما يقول وينستون تشرشل...لكن هذه الوسيلة العلاجية والترفيهية ايضا أسيء استخدامها من العديدين وتحولت الى ساحة حرب كلامية لا ينقصها الا إشهار السلاح بين المتحاورين فما يجري بينهم احيانا ليس تحاورا بل عراكا يسد الطريق على النوايا الحسنة بإدامة التلاحم والوئام بين العراقيين و اذا وضعنا هذه التناحرات في خانة التعبير عن الرأي واعتبرناها سمة من سمات الديمقراطية الجديدة على اعتبار ان الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية فالأساليب المستخدمة فيها احيانا تتجاوز حدود الآداب العامة من سباب وشتائم جارحة وعبارات تخدش الحياء وتخلق الكثير من المشاكل قد تصل الى حد الفصول العشائرية..ربما يكون هذا هو سبب صدور قانون من مجلس القضاء العراقي هذا الاسبوع يقضي بمعاقبة من يستخدم السب والقذف في تعليقاته الشخصية فيما يخص السخرية من المسؤولين وانتقاد أدائهم الوظيفي واعتبار ذلك ظرفا مشددا يستحق الإدانة والعقوبة..
اذا كان أبناء فيس بوك قد استخدموا ألفاظا نابية وخارجة عن الآداب العامة في تعليقاتهم سواء على الأمور الشخصية او العامة فمن الضروري تنبيههم الى ذلك أومعاقبتهم اذا واصلوا مخالفاتهم اما ان يكون العقاب القانوني لمجرد مهاجمة شخصية مسؤول حكومي او أدائه الوظيفي حتى لو كان بأسلوب ساخر فهذا ليس سوى تكميم للأفواه الباحثة عن الحرية والطامحة الى التغيير الحقيقي فلا يجيد الإشارة الى أخطاء المسؤولين سوى المواطن المتضرر منها..فهل سيسلبه القانون حقه في الانتقاد والاقتراب من الخطوط الحمراء؟..
القانون لا يحمي (الفيسبوكيين)
[post-views]
نشر في: 9 فبراير, 2015: 05:26 ص