اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > (المدى) تفتح ملف العاصمة المهمشة بغداد "6" .. العرائس يهجرن شارع النهر

(المدى) تفتح ملف العاصمة المهمشة بغداد "6" .. العرائس يهجرن شارع النهر

نشر في: 10 فبراير, 2015: 05:58 ص

الله.. قالتها بعراقية متعبة وهي تتنهد من تعب الوصول إلى المحل المراد، حيث اعتادت التسوق منه منذ سنين. لكنها لم تسطيع إخفاء حزنها على ما حدث للشارع وتراكم الأزبال والنفايات وفوضى النقل. "أم محسن" هو اسمها تملك محلا في أحد الأحياء الشعبية، للبيع بالت

الله.. قالتها بعراقية متعبة وهي تتنهد من تعب الوصول إلى المحل المراد، حيث اعتادت التسوق منه منذ سنين. لكنها لم تسطيع إخفاء حزنها على ما حدث للشارع وتراكم الأزبال والنفايات وفوضى النقل. "أم محسن" هو اسمها تملك محلا في أحد الأحياء الشعبية، للبيع بالتقسيط للفقراء وأصحاب الدخل المحدود حيث وقفت تدفع الحساب لصاحب المحل عن تسديد قسط قديم وشراء بضاعة جديدة تنوعت بين مواد ميكاج وعطور وغيرها من مستحضرات التجميل.
"كريم يوسف" ، عراقي مغترب ، هي زيارته الثانية إلى شارع النهر بعد 2003، حيث كان يمنّي نفسه أن يجد الشارع بشكل أفضل مما رآه في زيارته الأولى عام 2006، إلا أن خيبة الأمل التي أصابت كريم جعلته يعود دون أن يتبضع شيئاً فقد اكتفى بالتقاط بعض الصور كي يقارنها بصور سابقة للسوق.

 

ملامح الشارع 

وضع الشارع لا يوحي أن أمانة بغداد تقوم بواجبها بتنظيفه وتنظيمه حتى ولو مرة واحدة أسبوعيا، وهذا ما شاهدناه ، فأكوام الأزبال والأوساخ وأنقاض المحال متراكمة في الشارع. 
"أبو أحمد" ، صاحب محل بيع علب هدايا ، بيّن أن واجهة السوق وملامحه اختفت، سابقا كانت محال بيع الملابس النسائية وبدلات الأعراس بألوانها الزاهية الجميلة تستقبلك، أما الآن فقد حلت أكوام الأزبال بديلا عنها، خاصة بعد وضع منصة حديد من قبل أمانة بغداد ووزارة الداخلية لمنع دخول السيارات من جهة شارع الرشيد وجسر الأحرار لتكون عائقاً أمام سير المتبضعين وبشكل خاص النساء وهن الزبائن اللواتي يعتمد عليهن السوق.
الفضة والأنتيكات
محال بيع التحف القديمة(الأنتيكات) والفضة من المهن الأولى التي تمت مزاولتها في شارع النهر. "زهرون عمارة" ، أحد العاملين بهذا المجال ، تحدث وهو يطرق بخفة على قطعة فضة، أن مهنة الخياطة وبيع والملابس تعدّ من المهن الرئيسة في الشارع، حيث يضم الشارع العديد من المعامل التي تجهز محال بغداد والمحافظات بالملابس الرجالية والنسائية مع تصدير كميات كبيرة إلى خارج البلد.
عمارة أبدى أسفه لاندثار هذه المهنة التي كانت تعتمد بشكل كبيرة على مهارة الخياطين اليدوية، حيث حل بديلا لها المستورد الجاهز الذي لا يضاهي ما كان ينتج هنا ولو بنسبة ضئيلة.
وتطرق عمارة إلى أنه حتى صناعة الفضة لم يبقَ منها في السوق غير محل أو اثنين، الكثير من رواد وصناع الفضة تركوا العمل بها لأسباب عدّة منها الوضع الاقتصادي وتبدل مزاج الناس، مع قلة الاهتمام والرعاية لهذه المهنة التراثية الأصيلة. مضيفا: ان الكثير من الدول ترعى مثل هذه الصناعات وتقيم لها مهرجانات ومسابقات خاصة من أجل حماية التراث الصناعي والجمالي. مشيرا إلى أن أحد العاملين بهذا المجال في شارع النهر، شارك قبل أيام في معرض القرية العالمية بدبي ونال جائزة عن عمله، لكن للأسف لم يبد أحد اهتماما به من الجهات المختصة. 
وأضاف زهرون أن محال صاغة الذهب والفضة كانت واجهة الشارع الذي كان يسمى شارع البنات والعرائس لوجود كل ما يهم النساء ومستلزمات العرس، حتى أن النساء كنّ يتفاخرْن فيما بينهن أن ما يعرف بـ "جهاز" ابنتها كان من شارع النهر. كانت محال الصياغة تمتد حتى بداية سوق الورد لبيع الملابس ومستلزمات الخياطة والتطريز. مبينا أن السوق كان مزدهرا مشرقا خلال سبعينات القرن الماضي وحتى الثمانينات وخلال حرب إيران كان أفضل بكثير من وضعه الحالي سواء بمجال العمل أو التنظيم والنظافة التي نشكو من قلتها حتى أن مقرنصات الشارع لا تصلح للسير.
وصل جباية
ودعا زهرون أمانة بغداد ووزارة السياحة إلى الاهتمام بالشارع وتراثه خاصة المعماري، فبنايات الشارع مصممة بشكل رائع ومن قبل خيرة المهندسين والمصممين العراقيين. فقد تحول الكثير من الطوابق السفلى لبعض البنايات والخانات إلى محال لبيع الأحذية والحقائب بعد البناء والتهديم والقطع الجديد الأمر الذي أثر بعض الشيء على واجهة الشارع المعمارية والعمرانية. وقبل أن نغادره أخرج زهران وصل جباية قديم يعود لسنة1946 عن إيجار محله الصغير الذي لا زال يمارس فيه مهنه آبائه وأجداده. الإيجار كان في تلك السنة دينارا وخمسة وعشرين فلسا سنويا وكانت الجباية من قبل أمانة العاصمة التي كانت تقوم بعملها بشكل صحيح ولكن الآن للأسف تغير كل شيء.
دير بالك!
فوضى السوق ونقل البضائع بعربات دفع يدوية، يعمل عليها شباب فقدوا الأمل بوجود عمل آخر، فمنهم خريجو كليات ومعاهد لكن الحظ لم يحالفهم بتعيين حيث أن المحاصصة لم تحسبهم على جهة أو حزب. هذا الفوضى تجبرك على سماع كلمة(دير بالك) كثيرا. وسط محال بيع الملابس بالجملة ثمة محل صغير لبيع المسبحات، حافظ صاحبه "عبد الرزاق الجبوري" عليه رغم غزو محال الملابس والخياطة للبناية. الجبوري قال متحسرا: لم يعد السوق كما كان عليه قبل أكثر من عشرين عاما لأسباب عدّة منها الأوضاع الأمنية غير المستقرة وما سبقها من حروب متتالية إضافة إلى الإهمال الذي عاناه منذ التسعينات.
نظافة الشارع
واستطرق الجبوري: الشارع يعاني من تراكم الأوساخ والأزبال وعمل أمانة العاصمة متلكئ جدا على الرغم من دفع أجور النظافة للعاملين، وللأسف بعض نفايات ترمى بنهر دجلة. مستذكرا السياح والزائرين العرب والأجانب وهم يتبضعون من محال الشارع الهدايا والملابس والتحفيات وغيرها من بضائع كان يزدهر بها شارع النهر. لكن الوضع الآن تغيير كثيرا فأغلب محال الصاغة وبيع المجوهرات تحول إلى محال لبيع الملابس والعطور ومستلزمات الزينة بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
الخانات والدروب والأسواق
يضم السوق مجموعة من الخانات، أغلبها يعود إلى العصر العثماني، مثل خان دلة وخان الباجه جي وخان الخضيري وخان النملة وخان النبكة. أغلبها تم تحويله إلى محال لبيع الملابس أو معامل الخياطة التي اندثرت هي الأخرى وتحولت محالها إلى مخازن لمحال بيع الجملة. 
سير النساء
ولعدم وجود تنظيم أو إدارة للشارع من قبل أمانة العاصمة، تحول رصيف الشارع وجزء من الشارع إلى مطاعم وبسطات لبيع الأطعمة الشعبية، الأمر الذي أثر بشكل كبير على جمال ونظافة الشارع من جهة وصعوبة السير وخاصة للنساء من جهة أخرى. مع العدد الكبير من عربات الدفع التي تنقل البضائع إلى كراجات أو ساحات وقوف السيارات.
المحكمة الشرعية
من بين سمات الشارع الرئيسية وجود المحكمة الشرعية الأولى في بغداد، حيث كانت العرائس بعد عقد القران يشترين ما يعرف بـ"النيشان والجهاز" من محال السوق، لكن ،ومثلما قال أبو صادق، أحد رواد الشارع أنه خلال تواجده في السوق منذ خمسين سنة مضت كانت المحكمة الشرعية الأولى في بغداد لعقد القران، والآن قطعت وأصبحت بنايتها صغيرة جدا، فالعروس كانت تخرج من المحكمة إلى السوق لتجهز بجهاز العروس ، لكن الآن فإن على من يأتي قطع مسافة طويلة كي يصل إلى المحكمة وسط ضوضاء وفوضى السوق وتراكم الأوساخ التي لا تعكس صورة ملائمة للمناسبة، مبديا أسفه على الحال الذي آل إليه الشارع وانتشار محال بيع الملابس الرياضية التي أثرت كثيرا على شكل ونوع زبائن السوق، وحتى تراثه المعماري تم تشويهه من خلال إعادة بناء بعض البنايات بطراز يختلف عن الطراز والبناء البغدادي.
مطلوب عشائريا
حال الشارع لا يسر أبدا، من بدايته وحتى نهايته، فالفوضى هي الغالبة على وضع الشارع، ودور أمانة العاصمة يكاد يكون مختفيا، لما شاهدناه في الشارع. وبسبب الخلافات العشائرية وغيرها من خلافات وعداوات، تركت بعض البنايات مهدمة ومتروكة. والتي تحولت مع الأيام إلى أماكن لرمي الأوساخ والنفايات بسبب اختفاء الحاويات الخاصة بها. وحتى رصيف النهر الذي كان يوما ما يزهو بالعرائس والعرسان وهم يختلسون لحظات من ذويهم أثناء تبضعهم من محال السوق العامرة بكل ما هو جميل وراق ومن صناعة عراقية فاخرة وصناعات أخرى مستوردة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram