لم اكن مقتنعا يوما بذلك الرأي الذي إن وَجد في الشعر سلاسة، كما التي عند نزار قباني، يقول انها "السهل الممتنع". اني لا أجد تلك السهولة الممتنعة عند الشاعر، بل عند الذي يتصرف بحس إنساني عال. فما فعله نلسون مانديلا، مثلا، صار يبدو لي هو السهل الممتنع، وكذلك في الذي فعله علي بن زين العابدين التونسي يوم لقفها وهي طايرة ، فطار وحقن الكثير من دماء الناس.
هذه الدماء التي تسيل اليوم في العراق وسوريا واليمن وليبيا ما كانت لتكون لو أن الحكام فيها آمنوا بحق الآخرين في العيش بسلام وحرية. ما الذي جناه العراق من صدام، وماذا جناه هو أيضا، يوم تعصّب واستكثر على شيعة العراق حقهم في ممارسة شعائرهم الحسينية؟ وما الذي كان سيخسره لو أنه ترك الناس في شهر واحد من السنة يمارسون طقوسهم وهم الذين لم يرغموه او يرغموا أحدا على مشاركتهم بها؟ وهل كانت الجثث العراقية ستملأ باطن الأرض لو أنه استهدى بالرحمن وترك إيران تقرر مصيرها بنفسها دون ان يشن عليها حربه؟ ثم هل سيحل بنا الذي حل لو انه كبح جوامح حسده للكويت؟ أما كان سيكفي العراقيين شر الخراب والحصار والاحتلال؟ وماذا أيضا لو ان المالكي، يوم ترك أهل الغربية أسلحتهم في البيوت وتظاهروا تحت حر الشمس والبرد بطرك الدشاديش والغتر ليطالبوا بحقوقهم المشروعة، استجاب لمطالبهم؟ أكانت داعش تلعب ما لعبت بنا اليوم؟
ليس بالعراق فقط بل هي في البحرين وإيران واليمن والسعودية وربما في كل بقعة عربية وإسلامية. لماذا لا يدع هؤلاء الآخر يعيش حسب هواه ويعبد الله بالطريقة التي يراها ما دام لا يفجر نفسه بين الناس ولا يهدم مدرسة ولا يرغم أحدا على تغيير دينه او معتقده؟
لا أرى سهلا ممتنعا في قول نزار "صرت أحلى ألف مرة .. صرت أكبر" بقدر ما أراه في قول العراقي "شيفهم حجي أبو أحمد أغا". نعم أصعب ما أراه اليوم ان تفهم هذا الأغا ان للكردي حقوقا عليك ومثلها للتركماني والشيعي والسُني والمسيحي والصابئي والإيزيدي واليهودي ما دام يشاركك الوطن. لماذا لا تعطيها له لتريحه وتستريح وتريح البلاد والعباد معك؟
أعرف إنني كطابخ الفأس الذي يرجو من الحديدة مرقاً. لكني أظل في أمل ان يمنّ علينا القدر بعظيم تصغر بعينه العظائم مثل مانديلا، وليس صغيرا يكبر في عينه كرسي السلطة. وما أصغره من كرسي، وما أكثر الصغار الذين يحومون حوله.
ما كان يجب لهذه الدماء أن تسيل
[post-views]
نشر في: 10 فبراير, 2015: 03:30 ص