كانت أم كلثوم علامة من علامات الزمن العربي، وعلما من أعلام هذه الأمة التي استبدلت نهج البردة بمناهج التكفير، وكلمات الغزل بوصايا جهاد النكاح، كانت للست جمهوريتها ومواطنون يرددون معها كل مساء وهي تشد على منديلها: "خذ عمري، عمري كله إلا ثواني اشوفك فيها".. وتغني القصيدة لكي تهدر: من كان مثلي لا يذاع له سرّ، "الست" التي صنعت تأريخاً مليئاً بأعذب الألحان، نصفه عاميا على لسان احمد رامي وبيرم التونسي وشفيق كامل وعبد الوهاب محمد ومأمون الشناوي و الاخر فصيحا بأقلام شوقي وعمر الخيام وجورج جرداق وصفي الدين الحلي وإبراهيم ناجي.
يكتب فتحي غانم "كانت ثقافة الطبقة الوسطى تنتصر بصوت الست وأفلام فاتن حمامة وروايات نجيب محفوظ ومسرح نجيب الريحاني"، هذه الثقافة التي حاول دواعش القرن الماضي التصدي لها فخرج بعض المعممين الازهريين ليفتوا آنذاك ان صوت المرأة عورة.
لكن صوت الست بقي واضحا يصدح في كل البيوت؟، فيما تلاشى صوت الشيخ الملتحي الذي اكتشف أن ثقافة الحياة اقوى من ثقافة الموت، كانت مصر ومعها بلدان العرب تبشر بثقافة جديدة تتمرد على ثقافة الغيب وعلوم الآخرة، اسماعيل مظهر يترجم داروين الى العربية وشبلي شمل يبشر بافكار ماركس وانجلز، وسلامة موسى يكتب عن سوبرمان نيتشه، فيما علي مشرفة يقدم كل اسبوع خلاصة لافكار اينشتاين، وكان الرصافي يكتب عن الاشتراكية بانها:" وعد بمجتمع، لا سيد فيه ولا مسود،، يأخذ كل من فيه حقه بغير زيادة، ويعطي فيه كل حقوق الآخرين بغير بخس، وينتهي فيه طمع الطامع، كما ينتهي فيه حب الرئاسة ونزاع المتنازعين على مراكز التصريف والتدبير، فلا يحق لأحد أن يعتبر نفسه أنه أحق بهذه المراكز من أخيه " فيما اصر الزهاوي على ان يقود معركة السفور ” الى النهاية وهو يردد:
اسفري يابنت فهر ”:اســــــــــفري فالحجاب يا بنت فهـــــر
هــو داء في الاجتماع وخـــــــــيم
كل شـــــــيء إلى التجــــــــدد مـــــــاض
فلمـــــــاذا يقــــــر هــــذا القــــديم؟!
ويواصل تحديه للافكار السائدة:
مزقي يا ابنــــة العـــراق الحجابـــــــا
اســـفري فالحياة تبغي انقلابـا
معبرا عن اعترافه الكامل بدور المرأة المهم والكبير في الحياة الأسرية والمجتمع وبناء الوطن ساخرا من المفاهيم السائدة التي تحط من قدرها وتظهرها متاعاً يمتلكه الرجل ويفعل به ما يشاء ويحق له التخلي عنه أو استبداله متى رغب في ذلك.
نتذكر ام كلثوم بعد اربعين عاما على رحيلها، لنكتشف انها لم تكن ظاهرة غنائية وانما مرحلة مبهرة من الشعر والغناء واعذب الالحان.
في مقدمته لكتاب فن الضحك يكتب برجسون " ان الخصم الرئيس للمجتمعات هو التخلف الذي يحاول اصحابه دفع الانسان الى الاحتماء بالغيبيات ومحاباة الجهل ".
لم يكن برجسون يحاول ان يتنبأ، بل كان يرسم صورة العالم الحاضر حيث لا تزال بعض الشعوب خانعة خائفة يحكمها إما طائفي أو متخلف.
اليوم نتذكر درس ام كلثوم عن الحب والفرح والمسرة، حين نجد الناس تُذبح تحت رايات دينية وطائفية، فيما يحاول البعض أن يوهم البسطاء أنّ عصابات داعش لا تتاجر بالدين وتتخذ منه وسيلة لإرهاب الناس وقتلهم وتشريدهم، وهي ترفع راية دولة الخلافة.. وهي الدولة التي يحلم بإقامتها شيوخ لايزالون يرون في صوت المراة عورة، ولاندري ماذا تكون رايات داعش اذن ان لم تكن هي العورة الاكبر في تاريخ هذه الامة التي لايزال بعض سياسييها يصرون ان يستبدلواصوت ام كلثوم وعفيفة اسكندر وعبد الحليم وناظم الغزالي باصوات المفخخات والحرائق وخطب معارك المصير.
منديل "الست" ورايات داعش
[post-views]
نشر في: 10 فبراير, 2015: 06:19 ص
جميع التعليقات 2
طارق الجبوري
محاكاة في محلها بين ما قدمه منديل ام كلثوم وما انتجته رايات عصابات داعش الارهابية لكم تحياتي
طارق الجبوري
محاكاة في محلها بين ما قدمه منديل ام كلثوم وما انتجته رايات عصابات داعش الارهابية لكم تحياتي