عقب الخراب الذي حل بألمانيا بسبب الحرب العالمية الثانية التي أشعلها دكتاتورها هتلر، كان لزاماَ على الأهالي مواجهة واقع مرير تمثل بمقتل 3 ملايين ونصف المليون مواطن، وبمعاناة الباقين من ويلات التشرد والجوع، خصوصاَ بعد أن تم تدمير ما يقرب من 18 مليون بي
عقب الخراب الذي حل بألمانيا بسبب الحرب العالمية الثانية التي أشعلها دكتاتورها هتلر، كان لزاماَ على الأهالي مواجهة واقع مرير تمثل بمقتل 3 ملايين ونصف المليون مواطن، وبمعاناة الباقين من ويلات التشرد والجوع، خصوصاَ بعد أن تم تدمير ما يقرب من 18 مليون بيت ومصنع ومؤسسة وهو ما يمثل نسبة 40% من مساحة ألمانيا . كان التحدي يتمثل في خيارين: الاستسلام لواقع الخراب الشامل او النهوض من جديد.
ربما بدت فكرة النهوض للكثيرين صعبة ان لم تكن مستحيلة في تلك الظروف ، فثمة نقص هائل في عدد الرجال بين أسرى وجرحى فضلا عن القتلى الذين بلغت أعدادهم 5 ملايين قتيل مدني في القصف الجوي الانجليزي والأميركي، وكذلك تدمير 70% من القاعدة الصناعية واغتيال ألفي عالم وتهجير 4000 آخرين اجبروا على العمل بالسخرة في معامل الغرب، و 90% من العاصمة برلين تحول الى أنقاض..كان المشهد في عام 1945 كان كارثيا عن حق.
من أهم محاور تلك الكارثة تمثل في استخدام المرأة الألمانية كورقة ضغط عبر إذلالها ومحاولة تدميرها ، فالقوات الأجنبية المختلفة التي دخلت الى الأراضي الألمانية، عمدت بكل شكل من الأشكال الى الانتقام مما فعله هتلر عبر تدمير كرامة المرأة الألمانية في عمليات اغتصاب وحشية طالت النساء بمن فيهن القاصرات من قبل قوات الحلفاء ، اضافة الى القتل والتمثيل بالجثث او رميها للكلاب الجائعة وتشويه أجسادهن بضربات السكاكين كدلالة على الفعل الشنيع وترسيخه فيما لو نجت الضحية من موتها المحتوم.
قد تكون هذه الصورة السوداوية كفيلة بإغلاق صفحة الشعب الألماني بكافة أطيافه والقضاء عليه، لكن ما حدث كان عكس التوقعات تماماَ ، فقد انطلقت مبادرات فردية تمثلت بعمل النساء في برلين على تنظيف مخلفات الحرب ورفع الانقاض، خصوصاَ وان قوات الحلفاء منعت الرجال دون سن ال50 عاماَ من العمل خشية قيامهم بتأسيس نواتات لمقاومة مسلحة، لذا كان لزاماَ على النساء القيام بهذه الخطوة.
لويزا شرودر – من ضحايا الاغتصاب وناجية من موت محقق- كانت من أوائل المنظمات لحركة( نساء الانقاض ) التي بدأت في برلين وامتدت الى باقي المدن.. نساء ألمانيا شمرن عن سواعدهن، وكانت مهمتهن الأولى استخراج الحجارة السليمة من بين الأنقاض لإعادة استخدامها مرة أخرى في البناء وإخلاء المدن والشوارع من الأنقاض ونقلها إلى خارج المدن، وكذلك العمل في المصانع التي لم تتضرر في القصف، وفي ظرف 9 أشهر تمكنت النساء من تكسير حطام 18مليون بناية، وتحويلها إلى 750 ألف متر مكعب من التراب،تم تجميعها على هيئة جبال في كل أنحاء ألمانيا، واستمرت مرحلة البناء لمدة 10 سنوات ( 1945 – 1955)، في مرحلة عرفت باسم "نساء الأنقاض".
قصة (نساء الانقاض) وما سطرنه من ملاحم يستذكرها الألمان بفخر تشير الى مسألة مهمة لا تقبل الشك، ان المرأة التي تعد نصف المجتمع بحسب ما هو متعارف عليه، هي في الحقيقة عماد المجتمع ومحركه الأساسي فيما لو امتلكت الآليات الكافية للقيادة وتوفرت البيئة الخصبة التي ترعى إمكانياتها وقدراتها الهائلة على التحمل.. وهنا في بلادنا الكثير من الأمثلة الحية والشواهد على قدرة النساء العراقيات على اجتراح المعجزات كتلك التي صنعتها (نساء المعجزات) في المانيا.
hawaa@almadapaper.net