لا يوجد عراقي الا وهو ضحية للبعث. انهيارنا كدولة ناجحة، هو نتيجة سياسات بعثية خاطئة، واحلام بعثية غير مشروعة، وقراءة بعثية مغلوطة لقوانين المنطقة والعالم. ولا شك ان علينا التخلص من البعث كسبب لانهيارنا وفشلنا. وكل عقلاء البلد لا يترددون في صحة هذه العبارات كما احسب، من اي طائفة او جهة كانوا.
بل ان حزب البعث نفسه تعرض لظلم عصابة بعثية استولت عليه، وساقت قادته ومفكريه الى الاعدام او النفي، حينما نجح الجناح المتخلف في البعث، في هزيمة الجناح الاقل جنونا او الاكثر اعتدالا، وكانت النتيجة هي انهيار شامل بطيء وعميق، سنظل ندفع ثمنه زمنا طويلا.
من هذا المنظور علينا ان نراجع اليات اجتثاث البعث طوال ١١ عاما، وسبيل مكافحة البعث لربع القرن المقبل، وبدون صراحة كبيرة في هذا الاطار، سنظل نتخبط ونغطس في الفشل، وتضحك علينا القوى الصغرى قبل الدول العظمى.
ومن هذا المنظور يمكنني القول ان الشيعة الذين امسكوا بمعظم اسباب السلطة، لم ينجحوا في اجتثاث البعث، رغم انهم قاموا بمعاقبة عدد كبير من البعثيين، وجميعنا نتخبط اليوم في تحديد ما ينبغي فعله في هذا الاطار، وتشوش الشعارات، كل الدواعي المتعقلة التي نحتاجها في لحظة خسارتنا الموجعة.
ان اجتثاث البعث، هو اجتثاث رؤيتنا الخاطئة للعالم، والتي ورطتنا في عداوات لا تحصى. لكن وبعد ١١ عاما على سقوط البعث، لم تتغير نظرتنا الى العالم كثيرا، ولذلك فان الزائر الاجنبي حين ينزل في بابل او البصرة (ولا اقول الانبار طبعا) يشعر بانه في مدن معزولة عن العالم، غير طبيعية، ومستفزة، لديها شكوك كبيرة مبالغ فيها بالاجانب. ولذلك لم نحصل على ثقة دولية ولا اقليمية مناسبة، رغم كل التنازلات التي قدمناها.
واجتثاث البعث، يعني التخلي عن الارتجال والتسرع في صوغ القرارات، وتدريب النفس على الانصات لاستشارات صحيحة قبل اعتماد نهج او سياسة عامة تؤثر على حياة ملايين العراقيين. كما ان اجتثاث نهج البعث يعني اختيار افضل الكفاءات ووضعهم في المناصب المهمة والحساسة، لكي ينجحوا في تحسين حال ملايين العراقيين، لان البعث كان يتسرع فيخطئ، ولان البعث كان يطرد كثيرا من الكفاءات ويضع الجهلة امثال حسين كامل في اصعب المواقع، وبدل ان نقوم باجتثاث هذه القاعدة رحنا نقوم بتطبيقها، وفي وسعك اليوم ان ترى كيف ان معظم احزابنا، تضع الضعيف نصف الجاهل وغير الامين، في اخطر المناصب، وتقوم باستبعاد الكفوء المعروف بالحكمة والتدبير، دون اي خجل من الجمهور ولا تفكير بمصير ملايين المواطنين الموجوعين باخطاء السلطة.
ووسط كل هذه السياسات الخاطئة التي تكررها منذ ١١ عاما، احزاب كبيرة دونما حياء، ياتي انصاف الساسة ليضحكوا على الجمهور ويقولوا له: ان الحل هو في مواصلة اجتثاث البعث!
ان اجتثاث البعث لا يعني ابدا ان نلاحق الضباط والاكاديميين، ولا ابناء طارق عزيز ولا حتى احفاد صدام حسين، بل يعني ان نأتي الى ضحايا البعث وجيش الارامل والايتام، ونؤمن لهم حياة كريمة، وامانا يستحقونه، لتعويضهم عما فات، ولنضمن لهم مستقبلا خاليا من امثال صدام حسين، لكن ما حصل هو اننا عاقبنا بعض البعثيين وطردناهم وجلسنا مكانهم، وبقينا نكرس السياسات الخاطئة ذاتها، ونسرق اموال اليتامى من ضحايا البعث، ليصبحوا الان ضحايا اعداء البعث في الوقت ذاته.
اننا امام ارث اخطاء تركه البعث، وارث اخطاء صنعته الاحزاب الجديدة وعجز عن تحسين حياتنا، وعجز عن حمايتنا من الاحتراب الاهلي، كما فشل في بناء ثقة مع المجتمع الدولي تساهم في حماية مستقبل اولادنا. وقد حان الوقت لان نشعر بشيء من الخجل، بعد شوط الخطايا والدم الطويل، وان نكاشف شعبنا بواقعية ونحن نصوغ محاولات الصلح التي تهدف لحقن الدماء، وان لا نستحي في الحديث عن تصحيح الاجتثاث، بما تتطلبه الحكمة، وان نجتث "البعث" المتغلغل في اخطائنا جميعا، وان لا نتردد في قول الحقيقة: ان احزاب العراق الجديد فشلت في اجتثاث اخطاء البعث، بل قامت بتكرارها وخيانة الضحايا وتعميق ازمتهم.
الشيعة لم يجتثوا البعث
[post-views]
نشر في: 11 فبراير, 2015: 06:23 ص