لم يتعرّض منصب سياسي للسخرية والتهكّم مثل منصب النائب في البرلمان العراقي، كان تشرشل يبتسم كلما حاول أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني استفزازه، وذات يوم سأله محرر التايمز: لماذا لا تجيب عن أسئلة المجلس، قال له: "من السهل على أي رجل أن يتحدث بالصدق، لكن قلّة من الناس هم الذين يتحدثون بحكمة، وعلى هذا فإن الأخطاء النابعة من الجهل لا تغضبني، لكنَّ ما يغضبني هو الكلام الفارغ"، بالأمس تذكرت سخرية تشرشل، وأنا أقرأ بكتاب ممتع وضع له مؤلفه أو جامعه الصحفي الأميركي هوستون بيترسون عنوان " روائع المقال " وفيه يعرض لنا أطرف وأمتع المقالات التي كتبها عدد من كبار الكتّاب، أمثال برنادشو، شوبنهور، ميلفل، فرجينيا وولف وليم جيمس وآخرين، والغريب أنني عثرت في الكتاب على مقالة للمؤرخ البريطاني تشترتسون تتحدث عن فلسفة الكلام الفارغ التي يصفها الكاتب بأنها نوع من الحديث في الهواء.. ماذا يقصد المؤلف؟ بالتأكيد إنه لا يلمّح للسادة أعضاء البرلمان ممن يعشقون الصراخ، ياسادة، العراقيون لم يتوقعوا منكم أن تصنعوا العجائب والغرائب، لكنهم كانوا يأملون الحد الأدنى من العمل الصالح، وقليلاً من رؤية واضحة للمستقبل، الناس كانت تحتاج إلى خطاب واقعي، لا أفلام أكشن على الطريقة الهوليوودية التي أراد أحد نوابنا الأعزاء أن يتفوق مؤخراً على صاحب سلسلة حرب النجوم فخرج علينا ليقول إنّ: " هناك وثائق وصوراً ومعلومات تؤكد أن طائرات التحالف تخرق السيادة العراقية والأعراف الدولية، لإطالة أمد الحرب مع التنظيم من خلال إلقاء المساعدات لعناصر التنظيم عن طريق الجو أو هبوطها في المطارات والمناطق التي تقع تحت سيطرتهم".. لماذا لا تُكشف هذه الوثائق لوسائل الإعلام ياسيد " لوكاس؟ " الجواب ربما نجده في مقالة المستر تشترتسون، الذي يخبرنا بأن الخطاب السياسي يجب ان:" يخضع لأحكام العلوم وتطور علوم الحوار، وليس لأحكام الخرافة الساعية إلى تجهيل الناس وغشّهم وخداعهم وإغراقهم في المزيد من الأكاذيب "
والمؤسف ياسادة أن البعض مصرّ على إشاعة برامج الجهل السياسي وتوسيع عالم الخرافة وزراعة الانتهازية، في ظل إرادة الكلام الفارغ الذي وصل إلى مستوى لن ينافسنا أحد به. هاكم نموذجاً مثيراً " عَدّت رئيسة حركة إرادة النائبة حنان الفتلاوي، منصب رئيس الوزراء "كيساً فارغاً"، وأكدت أن وزارة الدفاع "أُفرغت" من الشيعة، وأضافت، أن "الشيعة الآن يغلون،لأن الحكومة فرّطت بحقوقهم لإرضاء الآخرين، ومن الضروري أن لا يكون التقارب بين المكوّنات بعيداً عن التفريط بحقوق الشيعة".
أنا حزين ياسيدتي. صرتُ كلما أُشاهدك أخجل، ولم أعد أحتمل المؤتمرات الارادية، فماذا أفعل؟
العالم منذ احتلال الموصل وهو يغلي، فيما نحن ضائعون بين الحرس الوطني والجيش النظامي، ونبحث عن الإنجازات في أروقة البرلمان، ونصفّق لإنجيليا جولي،لأنها زارت مخيّمات اللاجئين بدلا منّا، فنحن قوم مشغولون بمؤتمرات الكلام الفارغ، وفي تصدّر المراتب الأولى في عدد القتلى، حسبما أخبرتنا صحيفة الغارديان البريطانية، نحن وبفضل جهود مسؤولينا الرقم واحد بامتياز تلينا نيجيريا، وأفغانستان، وسوريا، تخيّلوا مئات الآلاف من القتلى وملايين المشرّدين وضياع أكثر من ست مئة مليار دولار، ودُمِّرت مدن بأكملها، فيما نحن أبدلنا ملفّات، التنمية والصحة والتعليم والبطالة والسكن والأمن بملفّ آخر اسمه استجواب العضّاض أضفنا له ملحقاً بعنوان أحقيّة صلاح عبد الرزاق في رئاسة مجلس محافظة بغداد، وفي كل يوم يصحو أهالي بغداد على سؤال جديد: على أي فضائية سيستعرض السيد عبعوب مهاراته في فن الإضحاك؟.
"كــــلام فـــارغ"
[post-views]
نشر في: 11 فبراير, 2015: 06:23 ص