TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الـجـواهـري بـيـن الإسـلام والـمـاركـسـيـة

الـجـواهـري بـيـن الإسـلام والـمـاركـسـيـة

نشر في: 18 ديسمبر, 2009: 04:48 م

محمد حسين الاعرجيمعروف أن الجواهري من أسرة دينية عميدها يُعدُّ من أبرز فقهاء المسلمين الشيعة وهو صاحب الموسوعة الفقهية : " جواهر الكلام "، ومعروف أيضاً أنّه نشأ نشأةً دينية اضطرّته ذات مرّة أن يصلي على جنازة لقاء أجر( ).
والإسلام الحنيف معروف، والماركسية معروفة أيضاً.ونشأ شاعرنا ـ كما أراد له أبوه ـ مُعمَّماً يدرس العلوم الدينية.ومن هذه البيئة التي نشأ فيها لم يكن غريباً أن يبدأ ديوانه بقصيدة " العزم وأبناؤه "(  ) وهي في شهداء ثورة العشرين التي قادها فقهاء الشيعة، وامتثل لها من امتثل إيماناً بالإسلام الحنيف، وابتعاداً عن كفر البريطانيين. وإذاً لم يكن غريباً أن يبدأ الديوان بتلك القصيدة، وأن يثنّيه بـ " رثاء شيخ الشريعة ". ولا أريد أن أُطيل في إثبات إسلام رجل وُلد في عائلة رعت الإسلام نفسه، ولكنّني أريد أن أُلاحظ أنّه لم تكن تظهر روحُه الإسلامية، والشيعية تحديداً ، إلاّ حين يُستفزّ؛ فقد استفزه كتابُ أنيس النصولي، وإساءتُه فيه إلى الإمام الحسين عليه السلام فكتب قصيدته في وزير المعارف يومئذ المرحوم السيد عبد المهدي المنتفكـي ـ وهو والد الأستاذ الدكتور عادل عبد المهدي نائب رئيس جمهورية العراق ـ وكان قد ألغى عقد النصولي مع وزارته للتدريس في مدارس العراق، أقول: كتب فيه " تحية الوزير " (  ).ومنع رئيس الوزراء العراقي يومئذ ياسين الهاشمي المواكب الحسينية فكتب قصيدته عاشوراء( ) يغمز فيها من قناة الهاشمي ولكن من مسافة بعيدة جداً (  )هي أن يزيد بن معاوية نفسه قد ندم على مقتله عليه السلام فما معنى أن يمنع طقوس إحياء ذكراه؟ يقول شاعرنا:على أنه بالرغم من سقطاتهوقد جـاءه نعي الحســـين تأثّرافما كان إلاّ مثل قاطع كفّه بأخرى، ولما ثـــاب رشدٌ تحسّراوأحسب لولا أنَّ بُعد مسافةزوت عنه ما لاقى الحسينُ وما جرى ...لزُحزح يومُ الطفّ عن مُستقرِّهوغُيِّر من تاريخـه فتطــــوّرا وانتقل الجواهري من النجف إلى بغداد سنة 1927، وكان قبل هذه السنة يتردد عليها بين حين وآخر كما يروي صهره على ابنته السيد صباح المندلاوي فتعرّ ف فيها على عاصم فليَّح، وحسين الرحّال ( )، والرحال ـ وهو من خرّيجي ألمانيا ـ من أوائل الذين نقلوا الفكر الماركسي إلى العراق إن لم يكن أوّلهم.على أن من الأمانة أن أقول إنَّ قراءات شاعرنا وهو في النجف مجلات مثل المقتطف، والهلال، والعصور قد عرَّفته بنظرية دارون: النشوء والارتقاء، وبالاشتراكية( )  ولكنّني لا أعلم إن كان يعني بالاشتراكية المذهب الطوباوي، أو الفابي، أو العلمي، أعني نظرية كارل ماركس، وإنكـلز؛ على أن الذي يغلب على ظنّي أنّه يعني المذهب الأخير لسببين أولهما علاقته الحميمة بالرحّال، وثانيهما أنني لم أر في آثاره ولم أسمع منه شيئاً يدل على اهتمامه بالمبدع الإرلندي برنارد شو داعية الاشتراكية الفابية، وأحد المؤمنين بها، والذي من مذهبه أنّه سئل يوماً ـ كما هو مشهور ـ عن تعريف الفابية فأجاب ساخراً كعادته: كصلعتي ولحيتي، وفرةٌ في الإنتاج وسوءٌ في التوزيع.بل أتذكر أنّه استيقظ من نومه ذات يوم من كانون الثاني ( سنة1981) ـ وهو في شقّتي يوم كنت في الجزائر ـ فاستل من مكتبتي مسرحية توفيق الحكيم " بجماليون " فأُعجب بها كثيراً فسألته إن كان قرأ مسرحية شو: My fair leady وكيف حولها على وفق مذهبه الاشتراكيّ الفابيّ من أسطورة إلى واقع فأجاب بالنفي.وقوّى نزوعه الاشتراكي موقف بعض فقهاء النجف من مسألة فتح مدرسة للبنات في النجف الأشرف فنظم قصيدتين هما: " علِّموها " و " الرجعيون " ( ) فظهر الحسُّ الطبقيّ واضحاً جدّاً في الثانية لا سيما في قوله:فما كان هذا الدينُ لولا ادّعاؤهملتمتاز في أحكامه الطبقـاتُأتُجبى ملايينٌ لفردٍ، وحــولهألوفٌ عليهم حلّت الصدقاتُ؟وأعجبُ منها أنّهم يُنكرونهـاعليهم، وهم لو يُنصفون جُباةُويلفت النظر هنا أنّ الماركسية هنا تقال بمصطلحات الإسلام، وسيظل هذا ديدن شاعرنا في قصائده التي تُصنَّف على أنّها متأثّرة بالفكر الماركسي أو أنّها تنطلق منه، يقول أبو فرات في واحدة من أشهر قصائده أعني " أخي جعفر "( )أتعلم أنّ رقاب الطغاةأثقلهــــا الغُنمُ والمأثمُوأنّ بطونَ العُتاةِ التيمن السُّحتِ تهضمُ ما تهضمُوأنّ البغيَّ الذي يدّعي من المجدِ ما لم تحُز مريــمُفالمأثم، والغنيمة، والسُّحت، ومريم العذراء من الثقافة الإسلامية، ومن مصطلحاتها.ونجد هذه الظاهرة في قصيدة يُفترض فيها أن تكون شيوعيةً لا ما ركسيةً فحسب أعني قصيدته: " سواستبول " المدينة السوﭬـييتية التي دافعت عن نظامها الشيوعي بقيادة ستالين، فاستطاعت أن تدحر قوات ألمانيا النازية، ولكنّنا نجده يظنّ أنّها أُوذيت في الله موحِّداً بين الماركسية والإسلام فيقول():لا يَنلْ منكِ بمــا أُوذيتِ في اللهِ اهتضامُلكِ فيما يُنقذ العـالَمَ رَوْحٌ وجَمــامُولا أُريد أن أُطيل في ضرب الشواهد، ولا يحسُن بي ذلك، إذ الظاهرة واضحةٌ لكلِّ ذي عينين، ولكنّي أُريد أن أقول إنه يوم عاد من بغداد

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram