اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > (المدى) تفتح ملف العاصمة المهمّشة بغداد "9"..شوراع يقتلها الإهمال وساحات محجوزة لبناء "مسجد"

(المدى) تفتح ملف العاصمة المهمّشة بغداد "9"..شوراع يقتلها الإهمال وساحات محجوزة لبناء "مسجد"

نشر في: 15 فبراير, 2015: 07:15 ص

من بين أزقة يعلو فيها الركام والضجيج والحواجز الكونكريتية، التي تمنع القادم من شارع السعدون إلى شارع النضال بالعبور إلاّ من فرع واحد أو اثنين. لحظة التأمل الأولى لشكل البيوت والأزقة تدعو لاستذكار أناسه الأوائل وتخيل حياتهم آنذاك. أولئك الذين وضعوا أس

من بين أزقة يعلو فيها الركام والضجيج والحواجز الكونكريتية، التي تمنع القادم من شارع السعدون إلى شارع النضال بالعبور إلاّ من فرع واحد أو اثنين. لحظة التأمل الأولى لشكل البيوت والأزقة تدعو لاستذكار أناسه الأوائل وتخيل حياتهم آنذاك. أولئك الذين وضعوا أسس العمران والتحضر للأزقة والشوارع الرابطة بين شارعي النضال والسعدون. لم تكن الأزقة تلقائية أو غير مؤثرة، بل كانت تنقل أو تربط بين حياتين مختلفتين وأحداثاً غير متشابهة تحدث في كل شارع منهما، وبشكل خاص شارع النضال شارع العائلة البغدادية والعصاري والأماسي. شارع الحكايا والسجون والمعتقلات. شارع الزائرات اللواتي ينتظرن ساعات لسماع أصوات أبنائهن أو أزواجهن. 

 
 
وسط متناقضات حياتية واجتماعية عديدة تسير عجلة اليوم في بغداد بوتيرة لا تعرف الاستقرار أو الركون إلى حال معين، وسط هذه الوتيرة يقف المواطن محاطاً بهموم لا تنتهي تبدأ من العمل وتوفير لقمة العيش حتى لحظة العودة الى البيت والبحث في شؤون العائلة التي مهما كانت صغيرة فإن همومها ومشاكلها كبيرة. 
أحد المشردين كان يجلس وسط ساحة الطيران وهو ينظر صوب جموع وحمامة فائق حسن يتمعن في وجوههم ويعاود النظر الى المارة وضجيج الشارع، يحرك يدَه بطريقة لا تنمُّ عن شئ ويعاود النظر الى جدارية فائق حسن، ويعود بوجهه مرة أخرى صوب الجموع، التي تدور وتسير في ساحة الطيران، هذه المرة كانت حركة يـده تنمُّ عن استنكار ورفض لكن الذي يبدو أنه لا يقوى على قوله واكتفى بتلك الحركة فقط، بائع عربة الحلوى الذي بحَّ صوته وهو ينادي على المارة وبجانبه بائع اللبلبي وعربة صغيرة يبيع كل عشر قطع من الحلوى بمبلغ "ألف دينار" وبالطبع أغلبها مغشوشة أو فاسدة أو منتهية الصلاحية، لكن المواطن الفقير يشتريها. 
على مقربة من النفق يجلس رجل قضى الكثير من سنين عمره في حروب خاسرة لم يجنِِ منها سوى صندوق لصبغ أحذية المارة وعلى مقربة منه رجل آخر وهبته الحروب مطرقة وسندان يُصلح أحذية أصدقائه الفقراء. وحكايا الساحة وكل مايدور بها لا ينتهي مثلما تمر تلك السيارات الحديثة بأصواتها المنبهة وصفارات إنذارها التي كان يؤمل منها ان تكون عوناً لبائع الحلاوة واللبلبي وحلويات منتهية الصلاحية وصباغ الأحذية ومصلحها وآخرين يدورن في الساحات والأزقة والأحياء يبحثون عن لقمة عيش سُرقت منهم بوضح النهار! 
مطبات اصطناعية
الأستاذ علي الآوسي من سكنة حي الجهاد (الضباط) قال: تعاني المنطقة من تردي خدمات البلدية، فالمنطقة تم تبليط شوارعها قبل فترة بسيطة وبشكل غير جيد فبعد فترة وجيزة كثُرَتْ الحفر والمطبات بالشوارع، مضيفاً: كما تعاني المنطقة من سوء توزيع شبكات مياة الامطار وعدم انسياب الشوارع بشكل صحيح، سيارات نقل القمامة شبه معدومة مما يضطر الناس الى رمي الأوساخ في الساحات لعدم وجود حاويات مخصصة لذلك.
الآوسي أشار ايضا الى ظاهرة انتشار المحال بشكل عشوائي بين المنازل واستغلال الأرصفة لعرض البضائع ناهيك عن الأوساخ التي يخلفها اصحاب المحال حيث قام البعض منهم بسد الأرصفة بشكل كامل من خلال بناء أقفاص حديدية ومشبكات، مستطرداً كما انتشرت محال الحدادة وتصليح المولدات والسيارات ومحال الشواء بين المنازل وفي الساحات والأرصفة من دون رقابة مما يسبب الإزعاج للسكان من الأصوات والأدخنة ورصف السيارات على أبواب المنازل القريبة منهم ناهيك عن الكلام البذيء الذي يتبادلونه بينهم والعبارات السوقية! 
وفي ما يخص دخول المنطقة أوضح الآوسي كي تدخل إلى المنطقة عليك الاستدارة من مكان بعيد جداً برغم وجود استدارتين قريبيتين من المنطقة ولكن السيطرة القريبة قامت بسد هذه الاستدارات من دون مبرر، كما أن انتشار المطبات الصناعية التي قام بعض السكان بوضعها بشكل غير قانوني وغير مبرر فيه الكثير من المبالغة أرهق السيارات ناهيك عن الزحام الذي يسببه.وعلى سبيل المثال أحد الشوارع لا يتجاوز طوله 120 متراً فيه اكثر من خمس مطبات صناعية. 
الآوسي ختم معاناة أهالي الضباط في حي الجهاد باتفاق اصحاب المولدات في المنطقة في ما بينهم بوضع تسعيرة موحدة حتى لا يستطيع المواطن الاعتراض فالجميع بالسعر والتشغيل ذاتهما، فأين المفر ونحن على مشارف الصيف وحـرِّه ؟
العـوز والضنك
أي تطور وإعمار وتنظيم لحياة مدينة ما يرتبط بالوضع الاقتصادي للفرد، حال بغداد وما يحدث فيها من تشويه وانتشار الأسواق الشعبية غير المنظمة وسط الإحياء والأزقة، هو نتاج هذا الوضع المتردي والمتذبذب. في السنوات الماضية كانت ميزانيات البلد انفجارية لكن للأسف لم يحدث تحسن بوضع الفرد العراقي ليكون حال المدن ومنه بغداد بهذا الحال المأساوي! تُرى كيف سيكون هذا العام مع العجز بالموازنة وانخفاض أسعار النفط وتقليص الدرجات الوظيفية وغيرها من فقرات نصَّت عليها موازنة 2015 ؟
تقاطع المـوت
أما منطقة بغداد الجديدة التي كانت من أجمل وأحلى مناطق العاصمة وإحدى أسواقها الرئيسة، هي الآن على غير ذلك تماما خاصة عند تقاطع سينما البيضاء او ما يُعرف بتقاطع (الموت!) بسبب كثرة التفجيرات التي حدثت فيه، هذا التقاطع هو باب الدخول والخروج الى سوق الخضراوات واللحوم في بغداد الجديدة حيث أكوام النفايات والأوساخ على جانبي السوق ناهيك عن الزحام طوال اليوم.
الدكتور جميل التميمي ذكر أن الوضع في بغداد الجديدة يبدأ بمعاناة الذهاب الى التسوق إذ ان التسوق في كل بلدان العالم فيه شيء من المتعة باستثناء العراق فانك اولا ينتابك القلق بسبب الوضع الأمني فهاجس التعرض الى انفجار او اي عمل إرهابي وارد جداً في بغداد الجديدة كونها من اكثر مدن بغداد التي نالها نصيب من الأعمال الإرهابية ربما لكبر سوقها اذا ما قورنت ببقية أسواق بغداد الأخرى، مستدركاً: حتى المريض عند زيارة الطبيب يجد صعوبة في الوصول الى عيادة الطبيب لأن معظم الطرق مغلقة وقلة ساحات وقوف السيارات. الأرصفة من دون استثناء احتلها الباعة المتجولون، لذلك يُجبر المواطن على النزول الى الشارع والمخاطرة بحياته.
وأوضح التميمي بالرغم من أن هناك تحسناً طفيفاً في القدرة الشرائية للمواطن وتطوّراً في تصاميم وواجهات المحال باستخدام التقنيات الحديثة لكن هذا التحسن لا يتناسب مع سلوك البعض الذي شهد تراجعاً ملحوظاً في فهم حقوق الآخر وفهم تطبيق القانون، فالشرطي على سبيل المثال هو اول مَن يتجاوز على المواطن بشتى الطرق بدءاً بمضايقة الآخرين بمن فيهم النساء من خلال استخدام العبارات غير اللائقة وهم يحذرون الآخرين بمكبرات الصوت ولأي سبب كان!
قواسم مشتركة
الحال يفرض نفسه في أحياء وأزقة بغداد حيث باتت أكوام النفايات القاسم المشترك بينها جميعا، فلا يكاد حي أو زقاق يخلو من هذه الأكوام مع مشترك آخر لا يقل ضرراً عن سابقه تقطيع البيوت الى مشتملات صغيرة حيث تكون الحديقة المنزلية الضحية الأولى لهذا التقطيع، الذي غالبا ما يكون بسبب الحالة الاقتصادية والضنك الذي يعاني منه الكثير من الناس، والأمر لا ينتهي عند هذا ؟!
مسجد لو حسينية !
الأستاذ غازي سلمان موظف في وزارة التجارة تحدث عن منطقة سكنه حي أور قائلا: لا تختلف منطقة حي أور، الى الشرق من بغداد في معاناتها عن معاناة مناطق العاصمة الأخرى وتفاقمها جراء عدم الاهتمام الجاد في الجوانب العمرانية والمرافق الصحية والبيئية والسياحية، مضيفاً أن معاناة الناس لا تنتهي هنا، بل ما يجعل هذه المدينة الصغيرة التي أُنشئت بداية سبعينيات القرن الماضي، تعيش مظالم الإهمال في مناحي النظافة والخدمات العامة، وضعف الرقابة الصحية ورقابة امانة بغداد، مثل التجاوز على الأرصفة في الشوارع العامة والأزقة الفرعية من قبل اصحاب المحال التجارية حيث يستحوذون على الجزء المقابل من الرصيف وإضافته الى محالهم، والأمر ذاته يحصل في حال بناء مشتمل يُقتطع من منزل كبير. 
سلمان أشار الى مسألة أخرى تنتشر في معظم مناطق بغداد وهي اقتطاع مساحات كبيرة من الأرصفة وأجزاء من الشوارع لبيع المواشي وذبحها، اما الباعة الجوالون للمواشي فهذه ظاهرة خطيرة جداً صحياً وبيئياً، لكن للأسف لم تلتفت إليها الجهات المعنية مطلقاً، واذا بقي الحال على ما هو عليه من دون تضافر وتعاون شعبي واهتمام من قبل الجهات المعنية فإن الحي الصغير "حي أور" لن يكون حياً مناسباً لسكن آدمي، مطلقاً، في المستقبل القريب.
سلمان أوضح أن الجانب الثقافي مهم في توعية المجتمع وفتح ابواب التحضر والتقدم أمامه، فهل يُعقل أن حي أور يفتقد للمكتبة العامة او أي صرح ثقافي آخر وهو الحي الذي رفد الثقافة والفنون العراقية وشتى مجالات الإبداع الأخرى بالعديد من الأسماء الكبيرة والمهمة؟ كما أن الحي يفقتد لمتنزه عام ومرآب نقل عصري وبناية لمصرف مالي تتوفر فيها ولو أدنى مواصفات الجمال المعماري، والأهم من كل ذلك لا يوجد مستشفى عام. 
وفي ما يخص بعض الساحات وامكانية استغلالها ببناء مستشفى عام او مرآب عصري قال غازي: إن توفرت أية مساحة جيدة من الممكن ان تستغل كمتنزه او مكتبة او أي مرفق خدمي وترفيهي آخر، بسرعة البرق سيتم بناء حسينية او مسجد! وبمواصفات بنائية أقل ما يقال عنها انها عادية... وحتى الاسواق ما زالت على حالها صرائف وسقائف لا تصلح لشيء لكن حاجة الناس والعوز جعلهم يجلسون تحتها في حرارة الصيف وقيضه والشتاء ببرده وأمطاره.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram