TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > شوقي رومانتيكياً

شوقي رومانتيكياً

نشر في: 18 ديسمبر, 2009: 05:29 م

احمد عبد المعطي حجازيلا اظن انني اقدم اكتشافا جديدا في شوقي وشعره، فهذا المقال لا يريد ان يثبت ان شوقي لم يكن كلاسيكيا، وكل ما يريد هذا المقال ان يلفت اليه النظر هو ان تسميتنا الشاعر بالمذهب الغالب في شعره لا تغني ان شعره كله مذهب واحد، وهذه ايضا فكرة ليست جديدة، فبعض النقاد الانكليز يحاولون الان ان يثبتوا ان عميد الشعر الكلاسيكي في القرن الثامن عشر الكسندر بوب
 كان من آباء الرومانتيكية مستندين في ذلك الى قصائده عن الرعاة، والمذهب الواقعي وليد القرن الماضي، لكن الجانب الواقعي موجود دائما في كل أثر.. واذا كان شوقي كلاسيكيا في معظم ما كتب، فهناك جانب اخر فيما كتب ليس كلاسيكيا بالتاكيد اذا استعرنا المصطلحات الادبية الاوروبية ـ بل هو شعر مختلف عن الشعر العربي الكلاسيكي، نقول نحن ان فيه طابعا رومانتيكيا واضحا، وقد يعن لغيرنا ان يسميه اسما اخر، لكنه بالتأكيد سوف يتفق معنا على ان هذا الشعر لا يخضع للتقاليد المتوارثة، وانما هو شعر يعبر عن روح جديدة شبيهة بتلك الروح التي عبر عنها الرومانتيكيون، ويتخذ في التعبير عنها طرائق شبيهة بطرائقهم.. ومع ان هذه الفكرة لا تصدق على شوقي وحده، وانما تصدق على كثير من الشعراء والكتاب الذين تختلط في انتاجهم ـ خاصة في مراحل الانتقال الادبية ـ شتى التيارات والتأثيرات سواء منها الطالعة او الآفلة فان لها بالنسبة لشوقي معنى خاصا، وهذا ما يجعلنا نفرد هذا المقال لتطبيقها على شعره. فمع ان هذه الفكرة بديهية لدى كل من له ادنى معرفة بالادب والشعر فقد استبعدها تماما معظم من تحدثوا عن شوقي سواء كانوا من انصاره او خصومه، لان انصاره يحاولون دائما اثبات ان ابداع شوقي ينتسب كله الى العصور الذهبية للشعر واللغة، وكلما كانت هذه العصور اقدم كلما كانت في نظرهم انقى واقيم، اما ا عداؤه فينتهزون فرصة اثبات صفة التقليدية له ويرمونه بالجمود والبعد عن روح العصر.. ولقد كان من سوء الحظا ان يلتقي في هذه النقطة الفريقان! ومع ان معظم الشعراء والكتاب يشتركون في ان انتاجهم ليس خالصا تماما للتيار الاساسي الواضح فيه، فان مواقفهم تختلف عن التيارات الاخرى التي تتسلل الى انتاجهم.. ان هناك بالطبع هؤلاء الرواد الذين تتحول قلوبهم الى مراصد للمستقبل تلتقط ما ينطوي علىه من جديد وتبشر به.. وهناك من لا تعنيهم هذه التيارات لانهم لا يفكرون في انتاجهم تفكيرا نقديا، وبسبب ذلك تصبح هذه التأثيرات في انتاجهم اصداء خافتة لا تدل على موقف، بقدر ما تثبت القاعدة التي تقول ان انتاج اي شاعر او كاتب ليس خالصا لتيار و احد.. وهناك من يفهمون الصراع بين التيارات والمذاهب فهما خاطئا فهم لا يدركون الفكرة التي تقول ان هناك دائما قديما ينتهي دوره وجديدا يولد منه ويتقدم علىه، وانما يظنون ان كل شيء قد اكتمل في الماضي واخذ زخرفه، وما الحاضر الا عوامل فساد تنتقص من جماله وكماله، ولهذا فهم يفهمون الصراع بين القديم والجديد على انه صراع بين الكمال المطلق والفساد المؤكد.. وهناك اخيرا هؤلاء الذين ينتسبون عامة للقديم، ولكن هناك عوامل تتيح لهم ادراك اتجاه المستقبل فلا يصدون تأثيره علىهم بل يفسحون له جانبا في قلوبهم وفي انتاجهم يجعل لهم يدا في الجديد مع ان اقدامهم تقف ثابتة على الارض القديمة.. واذا كان لي ان اوضح هذه المواقف المتعددة ببعض من يمثلها من اعلام شعرنا الحديث فانا اضع الشاعر مطران في قائمة الرواد، واحسب ان الشاعر حافظ ابراهيم يمكن ان يمثل الفئة الثانية، وان الجارم يمكن ان يمثل الفئة الثالثة، وان شوقي ربما كان الوحيد الذي يمثل الموقف الصعب الاخير.. فاذا ثبت ان شوقي قد تأثر بالدعوة الى التجديد في جانب من شعره، في تلك الفترة التي شهدت مولد الجديد، اصبح لهذا الجانب من شعره اهمية كبرى مهما يكن من قلة حجمه وعدم الاهتمام به، واصبح من واجبنا ان نعيد النظر الى شوقي من زاوية جديدة الا وهي دوره في نشوء الرومانتيكية بعد ان استهلكنا بحث دوره في احياء الكلاسيكية او كدنا نتسهلكه، او على الاصح كدنا نصل فيه الى الطريق المسدود الذي يوقفنا عن حد المقارنة بين شوقي وبين شعراء العصر العباسي ولا زيادة كان شوقي هو علي الجارم او محمد الاسمر، في حين ان فكرة شوقي حتى عن احياء الكلاسيكية كانت مختلفة الى حد كبير عن فكرة شعراء الاحياء الكلاسيكي الاخرين.. وفرق بين ان يكون دافعنا لاحياء الكلاسيكية هو "بعث القديم" او يكون "توسيع التقليد الشعري القديم ليستوعب الجديد".. من هنا اقول ان فهمنا لشوقي على انه مجرد شاعر كلاسيكي، او انه امير الشعر الكلاسيكي "الحديث" فقط فهم ناقص، بل هو معرفة اخشى ان تكون مضللة، لانها معرفة عامة تكتفي بالتيار الواضح وتهمل التيارات الثانوية التي لا تكتمل معرفتنا بالشاعر الا بمعرفتها. لكن هناك سؤالا احب ان اجيب عنه قبل ان ننتقل لبحث الجانب الرومانتيكي عند شوقي هذا السؤال هو. لماذا اذن هذا الاجماع على ان شوقي شاعر كلاسيكي؟ ولماذا لم ينتبه احد الى هذا الجانب "الرومانتيكي" فيه؟ وسأبدأ الاجابة عن السؤال من نهايته فأقول بانه وان تكن الدراسات التي قرأتها عن شوقي لا تصرح بشيء عن "رومانتيكيته" بل ولا يلتفت معظمها الى ان في شعره تجديدا من نوع ثوري، فقد لفتتني الى هذا الجانب في شوقي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram