د. علي الزبيديواذا كان لانحدار شوقي من اصل تركي مخلط قليل اثر في مناحي شعره فان لهذا الاصل الذي فرض على شوقي حياة اسرية بعينها اكبر الاثر في تصوره للمرأة. فلم تكن المرأة في هذه البيوت التركية الاصل او المخلطة هي المرأة المصرية الصميمة التي تملأ بيوت مصر.
كانت بيوت الاثرياء امثال شوقي وبيوت المتصلين بالحكام وبالملوك خاصة تظلل حياة اخرى فيما يتعلق بالمرأة. كان هناك في هذه البيوت نوع من الاحترام للمرأة لم يكن هو المألوف في بيوت عامة الشعب ولذلك كانت هذه البيوت عامة الشعب ولذلك كانت هذه البيوت مثلا تستقبل ميلاد الانثى كما تستقبل ميلاد الذكر بغير فرق ومن هنا نفسر تعلق شوقي بابنته امينة وتفضيله اياها على ابنائه الذكور. ولست اريد ان افيض في هذا وانما حسبي ان اخلص الى ان شوقي عندما يصور المرأة يصورها بهذا الاحترام الواجب لها. ومن هنا نجد نظرته للحب تعكس احتراما اكثر مما تعكس لهفة او حرمانا او تجارب ملتهبة. ان العاطفة نحو المرأة عاطفة الواجب والاحترام، والارتفاع من منزلة الواقع وهذه هي معالم الشخصيات النسائية التي ابدع شوقي في وصفها. نساء يضحين بانفسهن في سبيل الوطن مثلما ضحت كليوبترا بحبها في سبيل تاج مصر ومثلما ضحت "نتيتاس" في قمبيز في سبيل الوطن لتحمي بلدها من بطش قمبيز الجبار. اما صور الحب الحقة التي كان شوقي يحسها ولا يجرؤ على التعبير عنها تمثيلا فقد ظهرت في مسرحه في الموضوعات الثانوية حب هيلانة لحابي في "مصرع كليوبترا" وحب بثينة لحسون في "اميرة الاندلس". ان الموضوعات الثانوية هي التي كانت تحمل العاطفة المتأججة. وكانت كلها تنتهي بالزواج والوفاق لان الموضوع الثانوي لا يحتمل النهاية المأساوية التي يحتملها موضوع المسرحية الرئيس. ولقد عاش شوقي في عصر كانت التقاليد من حوله تنتهي عن الحب، وتجعل الغزل في الشعر صنعة اكثر منه تعبيرا عن واقع حسي ملموس. وكانت هذه التقاليد تفرض ان يكون الواجب فوق العاطفة وان يرتفع الناس دائما عن احاسيسهم العادية الى مراتب الاحاسيس الكبرى العامة. ولقد فرض هذه فكرة الحب العنيف على مواقف الحب في مسرحيات شوقي فاذا اجتمع الحبيبان فانما ليكون كما وصف: وعلىنا من العفاف رقيب تعبت في مراسه الاهواء ولا تنقاد المرأة لحبها الا في صورة بشعة، وليس بين المرأتين العفيفة في مثالية اسطورية والهلوك في انحطاط يثير اشمئزاز صورة وسط لامرأة تجاهد في سبيل المثالثة فلا تصل اليها او تجاهد في سبيل الارتفاع على شهواتها فتفلح قليلا ولا تفلح كثيرا. ان شوقي بحكم فنه لم يكن يستطيع ان يصور الصراع النفسي وهذا ما اضعف الناحية الدرامية في مسرحياته. وما دام الامر ان الاحداث المسرحية، كما تفرضها طبيعته، لابد مؤدية الى احدى النتيجتين المتطرفتين فهو يقفز بسرعة الى هذه النهايات المثالثة بالرفق او المبالغة في الخسة فان المرأة كسائر شخصياته تصبح صورة نمطية لانواع من النساء لا يدخل الصراع النفسي في حياتهن الا فترة قصيرة سرعان ما تؤدي الى الانتصار السريع او الانحدار الاسرع. هذه "كليوبترا" وهي اقوى شخصية نسائية رسمها شوقي لم يرد لها ان تكون الملكة كما صورها التاريخ وانما اراد لها ان تكون بطلة وطنية من طراز مثالي جبار. فأفلتت خيوط شخصيتها من بين يديه واعطانا فيها صورة عجيبة، فهي امرأة فاجرة في فترة من حياتها وهي امرأة متعففة في فترة اخرى. تضحي بجسدها في سبيل المحب حينا وفي سبيل الوطن حينا اخر انثى يصعب علىها الوفاء وتضيع قيصر البرية. ضيعت قيصر البرية انثى يا لربى ما تجر النساء وهي كليوبترا التي "تناهى الفساد في الارض في حكمها بل جاز الابالس". ومع ذلك هي كليوبترا التي تدبر وتسوس وتضحي بحب انطونيو وتموت في سبيل ذلك ولكن من اجل مصر. وانظر الى قول شوقي كيف اراد ان يخضع الفن والتاريخ لنبل الغاية التي كان يفرضها العصر الذي كتبت فيه المسرحية عنما كان كل فن يصرخ بحب مصر واثبات حضارة المصريين وكأنما كانت موجة استعادة ثقة في النفس بعدما فشلت ثورة 1919 في ان تحقق للناس حياة الحرية التي من اجلها ثاروا. يقول شوقي انه رأى فيلما سينمائيا عن ملكة فرنسية صورها الفيلم امرأة داعرة فأسى لهذه الملكة فقال شوقي لنفسه "ماذا في عرض الفضائح على الناس من جدوى؟ وكم في التاريخ من اغلاط واكاذيب!" وهنا برزت كليوبترا في ذهنه فقال لنفسه لا يبعد ان تكون هذه الملكة قد جنى علىها المؤرخون من ذوي الاغراض لانه لا يمكن ان تكون كليوبترا على هذه الحال الزرية التي نراها في كتب المؤرخين. وراح شوقي بمعلوماته القليلة وثقافته المحدودة يرجع ذلك الى ان اول من كتب تاريخ كليوبترا هو بلوتارك وهو من صنائع الرومان، فأمعن في الحط من شأنها. فأراد شوقي اني يبرز ما في حياتها العظيمة من عبر ومثل كالتضحية بالذات في سبيل الكرامة. يقول شوقي: "فقدمتها انسانة فتانة لها ما للفاتنات من غي ورشاد، وكملكة عظيمة لامة عظيمة لها ما للعظماء من طماعية وطموح وكبرياء وجلال يأبى علىها ان تسلم تاج مصر لاعدائها وتفضل الموت على حياة الذل والهوان.. الخ ولم يسأل شوقي نفسه هل من حقه ان يخط التاريخ كم
قراءة في مسرحيات شوقي
نشر في: 18 ديسمبر, 2009: 05:31 م