تنشر ( منارات ) مقدمة امير الشعراء احمد شوقي لاول طبعة من طبعات الشوقيات، وقد نقلناهم عن طبعة الشوقيات الثانية التي صدرت عام 1911، بعد أن وجدنا ان هذه الطبعة قد نفدت تماما وان الطبعة التي تلتها، حذفت مقدمة شوقي، ووضعت مقدمة الدكتور محمد حسين هيكل. ولما كانت لمقدمة شوقي اهمية خاصة، يلقى الضوء فيها على حياته وآرائه في مطلع حياته، وكانت المقدمة قد نفدت مع طبعتها، رأينا ان نعيد نشرها ليطلع عليها القارئ المعاصر
كتب امير الشعراء الحمد لله الذي علم البيان. وجعله اثرا من روحه عند الانسان. والصلاة و السلام على نبي الامة. القائل ان من الشعر لحكمة، (اما بعد) فما زال لواء الشعر معقودا لامراء العرب واشرافهم. وما برح نظمه حبيبا الى علمائهم وحكمائهم. يمارسونه حق المرأس. ويبنون كل بيت منه على أمتن اساس. موفين اجلاله حافظين خلاله. مدنين الى الاذهان خياله. قاله امرؤ القيس واصفا وحاكيا. وضاحكا وباكيا وناسبا وغازلا. وجدا وهازلا. وجمع شمله بحيث تعد المنظومة الواحدة له اثرا في البيان مستقلا وبنيانا قائما برأسه. ونظمه ابو فراس فخرا عاليا. ونسيبا غاليا. وحكما باهرة. وامثالا سائرة. لكنه لم يقله فوضى ولا قرب في نظمه الخلط فان قصيدته المشهورة التي يقول في مطلعها: اراك عصى الدمع شيمتك الصبر اما للهوى نهى علىك ولا امر ليست الا عقدا توحد سلكه وتشابهت جواهره ودق نظامه. تعاونت فيه ملكة العربي وسليقة الشاعر على حسن الحكاية. فاذا فرغت من قراءتها فكأنك قد قرأت احسن رواية. وهذا كونها اشبه شيء بالشعر في شعور الانفس هما سر بقائها متلوة الى الابد. وكان ابو العلاء يصوغ الحقائق في شعره ويوعى تجارب الحياة في منظومه ويشرح حالات النفس ويكاد ينال سريرتها ومن تأمل قوله من قصيدة: فلا هطلت على ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا وقابل بين هذا البيت، وبين قول ابي فراس: معللتي بالوصل والموت دونه اذا مت ظمآنا فلا نزل القطر ثم نظر الى الاول كيف شرع سنة الايثار وبالغ في اظهار رقة النفس للنفس وانعطاف الجنس نحو الجنس والى الثاني كيف وضع مبدأ الاثرة وغالى بالنفس ورأى لها الاختصاص بالمنفعة في هذه الدنيا، تعيش فيها جافية ثم تخرج منها غير آسية. علم ان شعراء العرب حكماء لم تغرب عنهم الحقائق الكبرى ولم يفتهم تقرير المبادئ الاجتماعية العالية وأنهم اقدر الامم على تقريبها من الاذهان واظهارها في اجلى واجمل صور البيان. وكان ابو العتاهية ينشئ الشعر عبرة وموعظة. وحكمة بالغة موقظة و كان امير المؤمنين على بن ابي طالب رضي الله عنه يرجع اليه كذلك في الوعظ والارشاد والتحذير من الرذائل. والاغراء بالفضائل وكان الشافعي رحمه الله وهو القائل: ولولا الشعر بالعلماء يزرى لكنت اليوم اشعر من لبيد تجرى الفاظه بالشعر وله مقاطيع مختارة. وحكم في الناس سيارة. وحسك ان الطب جميعه لو جمع لما خرج عن البيتين المنسوبين اليه وهما: ثلاث هن مهلكة الانام وداعية الصحيح من السقام دوام مدامة ودوام وطء وادخال الطعام على الطعام ولو انفسخ لهؤلاء وامثالهم المجال من الزمان والمكان وشهدوا عصر البخار كما نشاهده. وكابدوا الدهر في الهرم مثلما نكابده. لامتلأت الصدور من محفوظ اشعارهم ولضاقت المطابع على تنافسها عن نشر آثارهم. قدمنا هذا ليعلم به فريق يحتقرون الشعر وآخرون منا معشر الشبان يضمرون للعربي منه عداوة من جهل الشعر ويرون بينه وبين الشعر الافرنجي بُعدا بين المشرق والمغرب ناسين ان العرب امة قد خلت ودولة تولت فلا ينبغي ان يؤخذوا الا بما تركوا وان المسؤول عن خروجه بعدهم انما هو الخلف المفرط والوارث المتلاف. اشتغل بالشعر فريق من فحول الشعراء جنوا علىه وظلموا قرائحهم النادرة وحرموا الاقوام من بعدهم. فمنهم من خرج من قضاء الفكر والخيال ودخل في مضيق اللفظ والصناعة. وبعضهم آثر ظلمات الكلفة والتعقيد على نور الابانة والسهولة. ووقف آخرون بالقريض عند القول المأثور "القديم على قدمه" فوصفوا النوق على غير ما عهدها العرب علىه وأتوا المنازل من غير ابوابها ودخلوا البيداء على سراب. وانغمس فريق في بحار التشابيه حتى تشابهت علىهم اللجج ثم خرجوا منها بالبلل. وزعمت عصبة ان احسن الشعر ما كان في واد والحقيقة في واد، فكلما كان بعيدا عن المواقع. مننحرفا عن المحسوس. مجانبا للمحتمل. كان ادنى في اعتقادهم الى الخيال. واجمع للجلال والجمال. حتى نشأ عن ذلك الاغراق الثقيل على النفوس والغلو البغيض الى العقول السليمة. على ان الكل قد مارسوا الشعر على حدة. واتخذوه حرفة وتعاطوه تجارة اذا شاء الملوك ربحت واذا شاءوا خسرت. ثم لم يكفهم ذلك حتى هجوا الشعر وذموه بكل لسان فزعموه مجلبة الشقاء وقالوا انه محسوب على الشعراء يفيض من ارزاقهم وينحت من قلوبهم ويعرضهم لاراقة ماء الوجوه ولقد والله زعموا صدقا وقالوا حقا وان هذا لجزاء قوم يتوقعون ارزاقهم من ملوك كرام يخلقهم الله لرواج حرفتهم فاذا لم يخلقوا كسدت الحرفة واخطأت الارزاق على انه يستثنى من هؤلاء قليل لا يذكر في جنب الفائدة الضائعة بضياع الشعر مديحا في الملوك والامراء. وثناء على الرؤساء والكبراء. والا فمن دواوينهم ما يخلق ان يكون المثال المحتذى في شعر الامم. كأبن الاحنف مرسل الشعر كتبا في الهواء ورسائل ومتخذه رسلا في الغرام ووسائل وكابن خفاجة شاعر الطبيعة ومجنون ليلاها. وواصف بدائعها وحلاها. وكالبهاء زهير سيد من ض
شوقي بقلم شوقي
نشر في: 18 ديسمبر, 2009: 05:35 م