TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > محاولة لدراسة اللوحة في(الشوقيات)

محاولة لدراسة اللوحة في(الشوقيات)

نشر في: 18 ديسمبر, 2009: 05:42 م

 د.على جواد الطاهرلم تكن الدراسات التي صدرت عن شوقي قليلة، وقد ساد هذه الدراسات الطابع التاريخي فهنا حياته بين ميلاده ووفاته وهنا بيئته ودمه، وصلته بساسة زمانه، وهنا مقابلة بينه وبين حافظ، ومقابلة بينه وبين المتنبي، وهناك وطنيته، وعقيدته، وهناك اغراضه في الرثاء والغزل والوصف والمديح، الى آخره..
وقد الممت بشيء من هذا وذاك، والممت بشيء من شعر شوقي، وكلما بعد عهدي به.. قويت في نفسي خاطرة، خاطرة خلاصتها ان التاريخ في الدراسات الشوقية غلب الفن وان ما حول النص منها اغرق النص.. وليس التاريخ فنا وليس الشعر تاريخا..ويتباعد العهد، وتقوى الخاطرة، وتتوضح وتتبين: ان صفة شوقي الغالبة هي التصوير، فهو رسام، وهو يعمل بالريشة اكثر مما يكتب بالقلم، ولا يقف هذا عند غرض الوصف، ولو كان ذلك، لما كان صفة غالبة، انما هو شأنه في اغلب اغراضه..ثم تمر على وفاة شوقي ست وعشرون سنة، وتفكر مصر في تخليد ذكراه، وتطلب اليّ المشاركة ويحدد للتحضير في ساعات محدودة، لاتكاد تكفي لمحكومة علىه لان يدافع عن نفسه، ذلك اننا لم نخبر بالمشاركة الا قبل المهرجان بأقل من اسبوع وكان علىنا ان نهيئ في هذه المدة الوجيزة الف شيء وشيء، وفي زحمة هذه الاشياء. وزحمة ذلك الوقت. عاودتي خاطرتي القديمة.. فعدت الى الشوقيات، ورأيت – فيما رأيت:ان غير قليل من صور شوقي قد اوهنته الايام، وافقدته شيئا من روائه، وان شوقي كان يستعين بالمبالغة التي يتذوقها عصره، فتشغله عن الصور نفسها، او لابأس- بعد ذلك لديه ان تكون نتيجة للتعجب الارادي القصدي، وان من هذه الصور ما اكتنفته النثرية، فتقطع في سلك كلماتها تيار الوحي الصادق، وان وصف الطبيعة ان احتل مكانا من الديوان فانه ليس على درجة عالية فقد غلب علىه الجفاف.. وساورته النثرية، وان كثيرا من لوحاته التي حاول ان يجمع على سطحها اكثر من منظر واحد، اقرب الى الكليشة والفوتوغراف منها باللوحة، اي انها لم تعن كثيرا بالاختيار، وتراكمت فيها الاحصاءات، ولم يميز فيها ما يؤخذ وما يترك في التفصيلات، هذا مابدا لي، ولكن الكلام علىه يخرج قليلا عن مجال المهرجانات، ثم انه – ان كان صحيحا- لايحول دون دراسة الصورة عند شوقي ولايحول دون العثور على صور تستجاد وتستلمح مما يبرر الدراسة، ويقف الناقد والقارئ على آثار نبيلة، فيها براعة، وفيها قوة.. وجدة وابتكار.. وتطرب الحاسة الفنية، وتبعثها على الاعجاب بالاثر، وعلى الاعجاب بالشاعر.اجل، ان الصفة الغالبة في عشر شوقي هي التصوير وكان هم النقاد القدامى ينحصر بالجزء الصغير من الصورة مما ينطوي علىه البيت الواحد، وكان اثر هؤلاء النقاد ظل قائما في دراستنا الحديثة، فما رأينا عناية كافية بالصورة وباللوحة- وهما اوسع من التشبيه والاستعارة، ولايعدم البلاغي ان يجد عند شوقي امثلة كثيرة، على مفردات بحثه، بل انه ليستطيع ان يجد امثلة ناجحة واكثر من ناجحة، الم يكن شوقي هو القائل:لله انت فما رأيت على الصفاهذا الجلال ولا على الاوتادوالقائل:هذا فضاء تلم الريح خاشعةبه ويغشى علىه الدهر محتشماوالقائل:فاعرض عن قواده الجند شارداوعلمه قواده كيف يهربيكاد الثرى من تحتهم يلج الثرىويقضم بعض الارض بعضا ويقضبوالقال:اقام على الشفاه بها غريباومر على القلوب فما اقاماوالقال:جرى وصفق يلقاك بها بردىكما تلقاك دون الخلد رضوانوالقائل:وطني لو شغلت بالخلد عنهنازعتني اليه بالخلد نفسيوالقائل:وللحرية الحمراء باببكل يد مضرجة يدقلقد قال شوقي كل هذه الروائع، ونترك للبلاغيين من اهل البيان والمعاني.. امر العناية بها.. ونسير، فما كانت غرضنا الاول، مهما تدل هذه الجزئيات على المخيلة.ان غرضنا الاول هو البحث عن اللوحة او بمعنى ادق، عن اللوحة المختارة، اي الصورة التي لاتقف عند الجزء، وانما تستقصي الاطراف وتلتفت الى دقائق التفصيلات، عارضة وحدة- او وحدات صغيرة- رآها الشاعر حقيقة نابضة في مخيلته، ويراها القارئ وحدة مستكملة الاعضاء، منسجمة التلاوين، فتثير فيه شعورا يشبه الشعور الذي يبعث (الرسام) على النظام والتجويد، وتوحي اليه اشياء اخرى يضيفها علىها من نفسه ومن ظروفه، ويتقرب الاثنان كلما اقتربت المخيلة، وكلما تقاربت الظروف النفسية.ونستعرض حياة الشاعر، ونستعرض شعره، ونبحث عن اطوار النعيم، وآثار حفلات الرقص والقصف، وانعكاسات البلاط، ونبحث في الذي نظمه ليسجل هذا الطور في حينه، فلا نجده موفقا، وتسير في معرفه، فلا يستوقفك منه شيء ذو بال، لانك لاترى رواء ولاتحس ريا، انما هو وصف، ووضع الاسود الى جانب الابيض، فتمر مر الكرام وتسير، فتجتذبك صور اخرى هي غير تلك الصور، او انها تلك، او شيء منها، عندما اصبحت ماضيا،، وباتت ذكريات فحفظ منها الزمن الاقوى الذي ادخر عاطفة زادها الموت حياة وجعل لها نفاذا من وراء اللفظ اشعاعا من خلف الالوان وظلالا لدى الاطار.وكلنا يعلم ان شوقي عاش مدة في باريس، وكانت له فيها اوطار واوطار، وكان غاب بولونيا من مسارح تلك الاطوار ولكن شوقي لم يحدثنا عن الغاب ايام الغاب، ولم يصور لنا الاوطا ايام الاوطار والشباب، عهد الشباب، والهوى،، عهد الهوى.. لا، فقد مر الزمان، ولاذت الاحداث في زاوية من زوايا النسيان.. ثم (يرى) الشاعر الغاب، فيستيقظ الوجدان، ويخفق القلب، ولو

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram