TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > لسان تركي فصيح

لسان تركي فصيح

نشر في: 18 فبراير, 2015: 07:25 ص

لم أعثر على كلام صريح بالقدر الذي يتحدث به المسؤولون الأتراك عن أزمة تنظيم"الدولة الإسلامية"الإرهابي واستفحاله في المنطقة. في العادة لا يتورط رئيس الوزراء عندهم أو رئيس الجمهورية بالتفاصيل لكنّ مسؤوليهم الصغار يتحدثون بشكل مباشر عن الأهداف والاعتراضا

لم أعثر على كلام صريح بالقدر الذي يتحدث به المسؤولون الأتراك عن أزمة تنظيم"الدولة الإسلامية"الإرهابي واستفحاله في المنطقة. في العادة لا يتورط رئيس الوزراء عندهم أو رئيس الجمهورية بالتفاصيل لكنّ مسؤوليهم الصغار يتحدثون بشكل مباشر عن الأهداف والاعتراضات التركية على سير الحرب ضد التنظيم الإرهابي.

 
يستهزئ السفير التركي في كندا ضمن حديث لصحيفة واسعة الانتشار فيقول: أليس من السخافة الطلب من تركيا أن تنشر جنودها على الارض لمحاربة داعش بينما تفادت الولايات المتحدة الاشتباك بجنودها معهم؟!
لكنه يعود الى الخطاب الرسمي ذي وجه الصفيح فيقول: لدينا من الحدود 1000 كيلومتر مع سوريا والعراق وأمر إمساك هذه الحدود وحفظها من تسلل المتطرفين صعبٌ للغاية.
هذه الكلمات كأنها مستنسخة من الخطاب الرسمي السوري خلال الأعوام 2005-2009، الذي كان مصرّاً على أن دمشق تفعل ما بوسعها للحيلولة دون تسلل الإرهابيين الى العراق.
وقتها كانت الحكومة العراقية قد اتهمت دمشق علانية بأنها تؤوي مجاميع على علاقة بالإرهاب في العراق.
المسؤول التركي لا يكتفي بهذا بل يملّح تعليقاته بنكهة مخابراتية فيقول: رصدنا عشرة آلاف يحاولون العبور الى سوريا والعراق وهم من 90 جنسية مختلفة!
المعقولات تنحشر بالتأكيد في تلافيف العقل خاصة اثناء محاولة التصديق بأن نظام الأسد كان يؤدي ما بوسعه لمنع تسلل الإرهابيين في وقت كانت معسكراتهم في اللاذقية محلّ عشرات التقارير الغربية ، وبعضها كان مدعماً بالصور، وتنحشر أيضاً وتصبح عسيرة البلع ونحن نقيس ثرموميتر العداء السوري الأميركي، ومع هذا كانت دمشق ترغب بأن يظن الناس أنها تمنع الإرهابيين عن التسلل بحيث يتمكن المشروع الأميركي في العراق من السير الى الأمام وفقاً لخطوات العملية السياسية العراقية.
لم ترغب دمشق وطهران حينذاك بأي نتيجة تؤدي الى بقاء طويل الأمد للأميركيين وهم في ذلك يستذكرون المثال الكوري الجنوبي حيث يرابط 30 ألف جندي هناك منذ ستين عاماً. بل إن البلدين عقدا العزم على أن تخرج أميركا مهزومة من العراق.
لكن، الصراحة التي تحدث بها عُمّال أردوغان، ومنهم هذا السفير، يبدو انها فاقت كل من سبقهم على ساحة التصريح التي فرشتها القضية العراقية منذ 11 عاماً. مع أن المُصرّحين من فريقنا العراقي جعلوا الكلام في كثير من الأحيان لا وزن له، إلا أن الجرأة التركية المستمرة في هذه اللعبة تدعو الى الحيرة والوقفة عندها.
تركيا اليوم، هي بوابة كل ما يحدث في سوريا، وهي التي بإمكانها أن تغير وجهة فوهات داعش، لكن لنتذكر أن تركياً هي أحد البلدان القلائل في المنطقة التي تنطبق عليها لفظة"دولة" بالتمام والكمال!
لا يهم أن حزب اردوغان ابتلعها أم لم يبتلعها، المهم أن درس التاريخ يخبرنا أن عاصمتها لم تخضع للاحتلال منذ ألف عام ويستمر النظام السياسي فيها نتيجة تفاعلات داخلية بالدرجة الأولى، وليس في تركيا كلها قوة سياسية مؤثرة تتبع اطرافاً خارجية كما هو الحال في العراق أو لبنان أو سوريا أو مصر أو ليبيا أو اليمن أو فلسطين.
هذا يعني أننا أمام قوة اقليمية ودولية استثنائية تمثلها انقرة، وجب معها أن نسأل: "لماذا تغض تركيا النظر عن تنظيم داعش والتطرف الجهادي" قبل ان نسأل:" هل تدعم تركيا تنظيم داعش؟".
اول المطالب التركية أنها ترفض عصر فن صناعة الخزف والفخار السياسي الاميركي، ولن تقف صامتة امام"التشكيل" الذي لا ينتهي من قبل "الخزاف"الاميركي الذي جعل من المنطقة مادة طينية يستمر في تشكيلها الى الأبد.
تريد أنقرة أن تقول :إننا جزء من المنطقة، بل إننا الجزء الأقوى فلا مجال لواشنطن أن تستمر بعرضها السيئ على مسرح تمتلكه إسرائيل منذ سبعين عاماً مثلاً.
تريد ان تقول: لا مجال لواشنطن أن تتسلى الى الأبد بمعاركها مع إيران في ساحة العراق الحيوية بالنسبة لها.
تريد ان تقول:إذا كانت معايير أميركا أن تشعل الحروب الطائفية وتلعب مع القتلة لعبة "الباقي الأقوى"، فإن انقرة بإمكانها عبر جندي تركي واحد على الحدود مطلوب منه فقط ألا يرى المتسللين الى سوريا، عبر هذا الجندي ستغير كل قواعد وآداب الالعاب الأميركية.
وماذا إن كانت الرسائل التركية تكلف أنهاراً من الدم أو انهياراً في حكومات المنطقة؟
لا يهم، فاللاعب الأميركي "الكبير" قد سبقها الى هذا الهدر في موارد الآخرين والاستهتار بمصائر الشعوب عن طريق السكوت والتعامل الانتقائي مع الدكتاتوريات.
رسائل تركيا ندفع فاتورتها نحن العراقيين، طالما إننا نكتفي في هذه المنطقة بلعب دور"الكرة" في مباراة قاسية تدور بالاقدام والأيدي واحياناً بالرؤوس المقطوعة وكثيراً عبر جوكر"داعش" وأخواته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

 علي حسين يريد تحالف "قوى الدولة " أن يبدأ مرحلة جديدة في خدمة الوطن والمواطنين مثلما أخبرنا بيانه الأخير الذي قال فيه إن أعضاء التحالف طالبوا بضرورة تشريع تعديلات قانون الأحوال الشخصية، التي...
علي حسين

قناديل: انت ما تفهم سياسة..!!

 لطفية الدليمي كلُّ من عشق الحضارة الرافدينية بكلّ تلاوينها الرائعة لا بدّ أن يتذكّر كتاباً نشرته (دار الرشيد) العراقية أوائل ثمانينيات القرن الماضي. عنوان الكتاب (الفكر السياسي في العراق القديم)، وهو في الاصل...
لطفية الدليمي

قناطر: كنتُ في بغدادَ ولم أكنِ

طالب عبدالعزيز هل أقول بأنَّ بغداد مدينةٌ طاردةً لزائرها؟ كأني بها كذلك اليوم! فالمدينة التي كنتُ أقصدها عاشقاً، متلهفاً لرؤيتها لم تعد، ولا أتبع الاخيلة والاوهام التي كنتُ أحملها عنها، لكنَّ المنعطفَ الخطير والمتغيرَ...
طالب عبد العزيز

الزواج رابطة عقدية تنشأ من دون وسيط كهنوتي

هادي عزيز علي يقول الدكتور جواد علي في مفصله لتاريخ العرب قبل الاسلام ان الزواج قبل الاسلام قائم على: (الخطبة والمهر وعلى الايجاب والقبول وهو زواج منظم رتب الحياة العائلية وعين واجبات الوالدين والبنوة...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram