كيف تمنع اميركا من العودة ثانية لاحتلال العراق؟ انه سؤال مشروع ومهم، لا علاقة له بالكراهية والعداء للولايات المتحدة، التي انحاز شخصيا الى دورها في كثير من قضايا العالم، لكن هذا الاستفهام معناه: كيف نصبح بلدا طبيعيا بحيث لا يفكر احد بامكانية غزونا او بوجود مبرر للعودة الينا بجيوشه؟
واريد ان ابدأ بهذا المشهد الذي يعكس جزءا مما يجري من فوضى في العراق ويبرر عدم احترامه لدى كثيرين.
ويحكي لي شاب يبحث عن فرصة عمل، عن اخر وظيفة شغلها كموظف في قسم حساس بوزارة مهمة، وظيفته التعامل مع صور الاقمار الصناعية لتحديد مواقع ستراتيجية ذات طابع مدني وعسكري. المهندس الشاب يعمل بالاجر اليومي في هذا المكان الحساس، وهو يجلس كل صباح بين "ام سعاد" و"السيد زهير"، الاولى مشغولة بحفظ القرآن، والثاني منهمك بلعبة الكترونية على الحاسبة. ذلك انهم لم يتلقوا تدريبا على كيفية تحديد المواقع عبر الستلايت، وليس لديهم ما يفعلونه، وهناك موظف خبير واحد يتجول بين عدة مدن لفعل ما تحتاجه الوزارة، بين عشرات الفنيين الذين ينقصهم التدريب.
ومن خلال تواصلي مع خبراء متنوعين عسكر ومدنيين في مختلف الوزارات، افهم ان معظم موظفي الدولة لم يتلقوا تاهيلا صحيحا لاداء واجباتهم، ولذلك نخفق في فعل اشياء كثيرة، وندخل سباقا خاسرا مع امريكا او ساحل العاج او حتى "دولة الخليفة".
ماذا عن "القطاع السياسي" والى اي حد يختلف عن قسم الاقمار الصناعية في وزارتنا؟ ان الامر مشابه وليس لدينا ما يكفي من الخبراء في فنون التفاوض وصياغة التسويات وقارئي الخرائط الاقليمية والدولية، ليقوموا بتأسيس صفقات داخلية للتوافق وادارة المصالح، وتعريف معقول لعلاقتنا بالخارج. وما نمتلك من خبراء اقل بكثير من المهمات التي علينا انجازها بسرعة، لذلك فلا نزال نخسر.
وعلى سبيل المثال فاننا نحتاج اعادة صوغ لكثير من مشاكلنا، والامر يتطلب اثراء لنقاش مختلف. هل تريد منع امريكا من ارسال قوات اخرى الى العراق لان ذلك يخرق الكرامة والسيادة؟ انه شعور وطني يشيع في كل الدول المحترمة، ولكن لماذا تعبر عنه بترديد شعار مناوئ لواشنطن، اكثر مما تفكر بضرورة ان نتخذ قرارات داخلية شجاعة تصوغ الوحدة الوطنية وتقلل مستوى الانقسام، وتمنع امثال واشنطن من الحصول على مبرر كبير للتدخل؟
ان فشل التصالح مع السنة مثلا، سيأتي بالف امريكا والف ايران والف تركيا، ومعارضة مجيء جيوش اجنبية الى بلادنا، يجب ان تدفعنا لتحقيق مصالحة داخلية كبيرة، والقبول بتسويات صعبة لخلق سيادة حقيقية. كما ان الرافضين للنفوذ الايراني عليهم ان يجدوا طريقة للتطبيع مع الشيعة وتقليل اسباب الاستفزاز، كي لا يدفعوهم الى احضان الايرانيين.
ان التصالح ليس ترفاً ولا صدقة وتنازلا، بل بناء لاستقرار سياسي يجعل الامم تحترمنا. ولا افترض ان هذا امر سهل التنفيذ، لكن لماذا لا يحوز على اهتمام جاد في تفكيرنا بالعلاقة مع ايران او واشنطن وغيرهما؟ ولماذا يتعالى الصراخ وتتضاءل الاسئلة الصحيحة؟
ماذا بعد؟ هل قرأتم وصايا المرجع السيستاني الاخيرة ل"المجاهدين". لقد كان قطعة ادبية حكيمة تستحق القراءة مرارا، وعلق في ذهني منها سطر يتحدث عن "التوازن بين العدل والثأر والصلح". ولا شك ان معظم المشتغلين بالسياسة والحرب، السنة قبل الشيعة، لا يعترفون باهمية هذا التوازن الذي يكتبه السستاني لوسط انفعالي غاضب، ولو كتب سرمد مثلها لسخروا منه، بل ان كثيرا من ساستنا لا يستطيعون استيعاب مقاصد تلك التوصيات، كما يعجز موظفو الوزارة عن تحديد المواقع عبر الستلايت، ويتشاغلون بحفظ القرآن والالعاب الالكترونية.
السيستاني واميركا ونقص الخبرة
[post-views]
نشر في: 18 فبراير, 2015: 06:16 ص
جميع التعليقات 4
عبدالعليم البيضاني
(ولو كتب سرمد مثلها لسخروا منه) رائع في كتاباتك كروعتك , نعم لو تقارب الجميع واستمع للنصائح المجاني من السيد السيستاني لكان العراق بالف خير
رضا الموسوي
دائما ما تؤكد على ضرورة اللجوء الى صوت العقل ومنطق التعقل .. انت تنطلق من هذة القاعدة كونها التي تتحكم بسلوكياتك ، وغيرك ينطلق من قاعدة التغالب والقوة كون الجانب العقلي معطل لديه .. سلمت ايها العاقل المبدع .. نحن بحاجة الى الف الف سرمد كي نستبدل قواعد
عبدالعليم البيضاني
(ولو كتب سرمد مثلها لسخروا منه) رائع في كتاباتك كروعتك , نعم لو تقارب الجميع واستمع للنصائح المجاني من السيد السيستاني لكان العراق بالف خير
رضا الموسوي
دائما ما تؤكد على ضرورة اللجوء الى صوت العقل ومنطق التعقل .. انت تنطلق من هذة القاعدة كونها التي تتحكم بسلوكياتك ، وغيرك ينطلق من قاعدة التغالب والقوة كون الجانب العقلي معطل لديه .. سلمت ايها العاقل المبدع .. نحن بحاجة الى الف الف سرمد كي نستبدل قواعد