TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > هجرة الرأس... بتحولاته النحتية في أعمال رضا فرحان

هجرة الرأس... بتحولاته النحتية في أعمال رضا فرحان

نشر في: 20 فبراير, 2015: 06:34 ص

بعد سيل تجارب ونسق تحولات في بنية التفكير الذي يخضع من خلاله النحات (رضا فرحان)عمق وطبيعة رؤاه وصراحة موقفه الرافض بإزاء ما يجري في الحياة التي يحيا(هو) كما تحيا معه منحوتاته الوافدة من لجج أجواء مخاوف وتناقضات هواجس،حتمت عليه ضرورات منح أعماله الأ

بعد سيل تجارب ونسق تحولات في بنية التفكير الذي يخضع من خلاله النحات (رضا فرحان)عمق وطبيعة رؤاه وصراحة موقفه الرافض بإزاء ما يجري في الحياة التي يحيا(هو) كما تحيا معه منحوتاته الوافدة من لجج أجواء مخاوف وتناقضات هواجس،حتمت عليه ضرورات منح أعماله الأخيرة ،والتي قبلها إيضا، سمة الرضوخ لنهج تحريضي شابك من مبررات وجوده وميولاته الدفاعية نحو محاولات خلق عالم ينوء بأوجاع وتأوهات أبطال غارقين في محن تساؤلاتهم عن جدوى ذلك الوجود،وحيرة تشفعات تبغي الخلاص،باي طريقة كانت من أجل الوثوب مجددا،والحفول بإعادة صنع حياة تليق بهم،وبأحلامهم وبنبض تطلعاتهم.

 

شكل ألبوم الأعمال الأخيرة من تحولات(رضا فرحان- تولد/بغداد1955)مع تقابلات مرايا معرض ضم أعمال كل من النحاتين(طه وهيب/ونجم القيسي) شهدت افتتاحه أروقة (قاعة لوسكريب لارماتان)في باريس (الحي اللاتيني) منتصف شهر أيلول/2014، تماهرت فيه رؤى ستة أعمال لكل من(رضا/طه/ونجم)حيث كانت مادة (البرونز) القاسم المشترك الذي جمع تلك المعروضات،التي أثارت إعجاب الجمهور والنقاد الأوربيين والعرب طيلة عرضها لمدة أسبوع كامل،فضلا عن تخلل دخول مواد أضافية الى جانب (البرونز)كمادة(الستيل) المستعملة في جوانب معينة من منحوتات(نجم القيسي)،فيما تناورت في فرض وجودها مواد إضافية مصنوعة وجاهزة من وظائف إستعمالية معروفة (بيوت أقفال/ واشرات/حلي/أقراط/عتلات /ونوابض)في أعمال(رضا فرحان-بكالوريوس/كلية الفنون الجميلة-بغداد97/1998)،جاءت لتساند فعل الهم الإنساني والكوني الذي استلهم منه هذا النحات تبنيات أفكاره،وتنويعات رؤاه بصدد تعظيم شأن أزمة الإنسان المعاصر،وهو يواجه كل مسببات الخوف وسبل التهديد والمحو المقصود لجوهر لذاته . 

لقد ظلت إستغراقات (رضا فرحان) في راهن أواصر همومها النحتية تفاوض على ما في دواخلنا من فيوضات وتحليقات ذلك الهم الإنساني المكابر الذي حرص كثيرا في التعبير عنه،في أكثر من موقف وأكثر من مناسبة سنحت بالتعبير له عما يجول ويغور في دواخله،وإذ نستذكر-هنا-عمله الهام و الجريء في ملاك ما حواه(سمبوزيوم- سجناء أبو غريب)الذي أقيم على قاعة حوار للفنون ببغداد/2005،إنما لكي نحيي - من باب الرصد والتوضيح الجزئي- صدق وعمق محاولاته وتجاربه على امتداد مشاركاته التي يعود أول جذورها للعام/1994-2006 حيث مشاركاته في معارض دائرة الفنون ومعارض جمعية التشكيليين العراقيين ،وما تلاها من معارض شخصية ومشاركات في بغداد وباريس و لاروشيل ولندن وبيروت واسطنبول ودمشق وحلب وغيرها،وحصوله على جوائز وتقديرات(جائزة اسماعيل فتاح الترك/قاعة حوار- 2000)(جائزة الواسطي/وزارة الثقافة- 2010)و(جائزة قلادة الوفاء/وزارة الثقافة- 2010). 
ما انفكت منحوتات(رضا فرحان)-خاصة الأخيرة منها،نعني،قصدا،معرض باريس الثلاثي مع الفنانين (طه ونجم) في الثلث الأخير من العام الماضي تضعنا حيال أسئلة مسننة وساندة لرغبات وتطلعات نابعة من رهان بعد مقاصدها،واستحالة إيجاد اجابات قطعية لها،لما فيها من بلاغة القصد وواقعية الرصد الذي نلمس من بين ثناياه سمة التوغل في الوجوه التي ظل يقترحها ويصر على تبني ما يمور ويدور في دواخلها،وصولا لقاع روح الغربة التي تسكن تشخيصاته وتجسيداته لوجوه ناور كثيرا في تحويراته ما بين وجه لإنسان وآخر لحيوان تماهيا بقدرات حس وعي قصدي،جاء ليناسب مقادير حجم ذلك الندم الصادم الذي كان يغلف تلك الوجوه،وليتوغل أكثر في دهاليز دواخلها على نحو توافد أسف مجهول لما آل إليه مصيرإنسانه المجروح والمقدوح بشرارات ونيران خوف تبرعم حزنا دائما وألما غائرا في نسيج جرح تكلل بجحيم فقدانات وموت أو رحيل قسر وهروب مبرر من فظاعة واقع مرير،تفاقم فيه القتل والتهجير وأستبسلت فيه النعرات وحمى جمرات التفرقة والجحود.
أعطى (رضا فرحان) للرأس مهابة أن يكون المحور والمصدر الصائغ للأحلام والمنبع الرئيس للأفكارالتي أراد إيصالها وتحفيز ثقة المشاهد على فعل المشاركة في ترسيم حدود التفاعل،والذي سيغدو هدفا مساعدا في محاولات ترويج فعاليات القنص وطرق الذبح وخسة الوشاية بتبرير معامد لكل أشكال القتل وفي أولها قتل الفكر-أولا- كتحصل ضمني وبالتالي تصفية روح الحياة من حدود الجسد،ثم نرى(رضا) كيف يلجأ-عمدا- الى ترويض طبيعة أعماله لتصل معه الى محاولات التركيب المبتكر لجملة من إضافات لمواد ذات استعمالات محددة ومألوفة في سياق وجودها العادي في المحيط الذي يحيا فيه،وكيف يفسر(هو) محاولات الربط الحاذق والمعلن بطبيعة العقد المبرم ما بين الرأس كقيمة (فكرية) ودلالية وما بين الجسد كقيمة(عملية) تداولية،يقارب الخوف ومسبباته وأشكاله من مساعي الهرب بالرأس،كي يبعده عن عين المتربصين من القتلة والمأجورين ،وبما يشتت من نصال حراب ذباحيه،عبر تضليلهم من خلال أحدى الوسائل الدفاعية التي جاء يبتكرها الفنان-هنا- والسعي بتخليص الرأس من مغبة هذا الجنون الصارخ والهادف لسحق الإنسان الذي ما برح يدافع عنه(رضا) ببراعة الإستعاضة والرؤيا الفنية الناضجة حين يبادل رأس الإنسان،برأس بعير-مثلا- أو رأس شاة أو خروف،وتلك محايثة قصدية بارعة، تتناغى وتتناسب مع قوة الشد وقدرة تنامي التأثير بغية خلق وتوريد صدمات ومصدات تعويضية ومعرفية نحجت في إستعارة مناح دلالية ذات بهم قيمة كونية محبة وحافلة في علو شأنها بالدفاع عن قيمة الحياة والإنسانية الحقيقية معا،من خلال مسارب هذا التعليل والإستبدال والكشف عن مكان وجود الشر وتفرعاته الشيطانية،التي يجب مواجهتها بجميع السبل والوسائل المقترحة، كما هي متمظهرة وشاخصة في عالم (رضا) النحتي التوليدي ،وبنهجه التركيبي-التجريبي الخاص بدفقات وجوده الحتمي نحاتا مبتكرا،ومالكا لكل مقومات النهوض بمشروعه دون أدنى نظر أو ظفر يجانب أو يساير نمطية التأثير ودواعي التكرار في عموم الرهان والثبات على جدية تجربته،من حيث سطوع الفكر ونصوع مهارة ابتكاره لوحدات وخامات،تناسب جرأة وإتساع مخيلته الرافضة لكل أشكال النسخ والتقليد ،لقد تمالك (رضا فرحان) ومنذ وعي ووقت بعيد من الآن حرية الفهم وحرية التعبير وحرية الوصول الى مبتغاه ،دون أن يتصادم مع غيره من تجارب وفنارات نوعية في تأريخ النحت العراقي الحديث،أو يتقارب منها باي حال من الأحوال،لقد ظل مخلصا لنقاء ذاته هائما بها بحثا وسعيا لتفرد خاص،لم يغره-قطعا-الترويج والتسويق المادي لإعمالة على حساب القيمة الكبرى والجوهرية للفن،كما هي حقيقة الشعر الخالص،ذلك الذي لا يزدهر في مناطق وحقول العقل المطلق،بل بحدوده وتحليقاته الروحية الباحثة عن قيمة وجوهر الأشياء ونبل الإنسان أمام حقائق وحيثيات عالمه الراهن .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram