وجوه شاحبة وملامح أناس فقدوا أمل العيش بسلام وأمان، تلازمها مخاوف من الإخلاء أو التهجير، أو الإصابة بالأمراض المعدية. أطفال يعتاشون على ما يمكن ان يحصلوا عليه من البحث بين النفايات أو بقايا فضلات الطعام التي يرميها رجال القوات الأمنية قرب معسكر الرشي
وجوه شاحبة وملامح أناس فقدوا أمل العيش بسلام وأمان، تلازمها مخاوف من الإخلاء أو التهجير، أو الإصابة بالأمراض المعدية. أطفال يعتاشون على ما يمكن ان يحصلوا عليه من البحث بين النفايات أو بقايا فضلات الطعام التي يرميها رجال القوات الأمنية قرب معسكر الرشيد سابقا حيث لا يمكن المرور والدخول إلى العشوائيات إلا بعد عبور السيطرة المرابطة عند المدخل الرئيسي. معسكر الرشيد الذي يروي آلاف الحكايا يوم كان يضم أكبر مستشفى عسكري في البلد وهو يستقبل جرحى وشهداء حرب الثماني سنوت وحرب الخليج. ذاك المعسكر الذي لازالت بقايا من قاعاته وبناياته موجودة إلى الآن لكنها مقطعة على شكل غرف كبيرة أو صالات يسكنها أناس من شتى أرجاء البلد بعضهم دفعه العوز، وآخر هربا من ثأر أو خلاف. وثالث يتصيد بالماء العكر . وهكذا تتنوع الحكايات مرة أخرى لكن هذه المرة في أرض معسكر الرشيد سابقا ومن قبل ما يعرَفون بالمتجاوزين.
ملامح سكن عشوائي
(عبد الله) لايعمل إنما يقف طوال النهار فوق سطح منزلهم الذي اقتطع من قاعة كبيرة ويصيح (كش عا) مع الصفير الدائم. أمه تبيع الكلينكس قرب تقاطع مجمع المشن لبيع إطارات السيارات.
(سلام) يبيع الفواكه والخضراوات في ستوتة يدور بها في أرجاء المعسكر قال: لم يكن أمامنا إلا اللجوء إلى المعسكر والسكن في احدى بناياته بسبب ارتفاع بدلات إيجار الدور، قياسا بتوفر العمل. سلام بيّن أن ظرفهم المعيشي صعب جدا الآن. خاصة بعد دخول العديد من العائلات التي جاءت من مختلف المحافظات والتي لايعرف عنها شيئا ولمَ جاءت. علما أن هناك اتفاقا بين سكنة المعسكر الاوئل بعدم السماح بدخول أي شخص ان لم تتم تزكيته أو يكون من أقارب أحد الساكنين.
تلال من النفايات والأتربة المتكدسة هي ملامح سكن عشوائي بدلا من مجمع سكني كان لابد ان ينفذ منذ عام 2009 . لكن الحال يبقى كما هو عليه ليرسم ملامح عاصمة تلفها التجاوزات العشوائية من كل مكان، ليرسم ملامح عاصمة حدودها مبعثرة بين تنفيذ المشاريع السكنية وبين بقاء الساكنين فيها، شوارع غير مبلطة والسير فيها يتوجب الحذر من ان تخسف السيارة في إحدى الحفر حيث تتألف الأحياء العشوائية من عشرات المنازل ضمن ما يطلق عليه بالأحياء المتجاوزة وسط أكوام هياكل الحديد المتناثرة والمخلفات وبرك المياه الآسنة. أطفال يسكنون قرب برك مياه الصرف الصحي أسسها الأهالي هناك بطريقة بدائية جدا وهي حفرة كبيرة وتوجية أنابيب بلاستيك اليها بعد ان قاموا ببناء حمامات من البلوك ومن دون أبواب بل اكتفوا بوضع قطعة قماش "بردة".
هذا حقنا
(ابو مهدي) هو المسؤول عن مد أنابيب الماء من شبكة ماء الزعفرانية إلى سكنة المعسكر، والتي تتعرض حسبما قال إلى الكسر بسبب مرور السيارات عليها وأغلب الأحيان يأتي الماء محملا بروائح كريهة بسبب تسرب المياه الثقيلة، ما أدى إلى ظهور إصابات بأمراض التايفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي، فضلا عن التهاب الأمعاء، وذلك بسبب حاجة الناس إلى الماء . وتكيف السكان حاليا مع أغلب الظروف واصبحوا يتمتعون بخدمات أكثر من حيث الكهرباء والماء وحتى المولدات الأهلية متوفرة وهم بانتظار تملكهم الاراضي يحدوهم أمل في الحصول على شقق في المجمعات السكنية التي من المؤمل ان تبنى لأنهم اكثر استحقاقا وحسب تعليق ابو سجاد الذي كان واقفا بالقرب من ابي مهدي: نحن لسنا متجاوزين لاننا لانمتلك ارضا ولا بيتا ومن حقنا العيش هنا في امان تحت سقف يستر اجسادنا واجساد عائلاتنا. وقد يكون توفير السكن من واجبات الحكومة الاولى، لكن للأسف لاحد يسأل عنا او يعرفنا الا في الانتخابات حيث تكثر الوعود وتصبح الاحلام وردية.
السخانات والتنك
أغلب المنازل التي بنيت في(معسكر الرشيد سابقا) هي من البلوك او الطين والحجر والصفيح (التنك) وفي كل دورة انتخابية تقريبا يحصلون على بعض الخدمات والهدايا مثل البطانيات والسخانات، التي لاتسخن الماء إلا في الأعياد أو الانتخابات لأن أسلاك الكهرباء لاتتحمل الفولتية القوية للتيار الكهربائي . لذلك وحسب قول أم محمد التي كانت تغسل الملابس بالماء الساخن الذي سخن بقدر على الحطب أكله الدهر من السواد(السخام) . البيوت باردة جدا ، الأمر الذي يعرض الناس وخاصة الأطفال للإصابة بالانفلونزا، ناهيك عن الأمراض الجلدية التي تسببها مجاري الحمامات المكشوفة.
جهل أم تجاهل
(كاظم بريسم) يعمل في معمل الزيوت النباتية في الشركة العامة لصناعة الزيوت النباتية يسكن منطقة الزعفرانية ذكر أن الناس كانوا ينتظرون أن تُحول أرض المعسكر إلى مجمع سكني يؤوي العوائل العراقية أو أية مشاريع خدمية أخرى من مستشفيات أو جامعات أو حتى معامل صناعية وإنتاجية لا سيما وانه يقع في منطقة شبه صناعية، مستطردا : لكن الذي حصل غير ذلك للأسف فقد تحولت بنايات المعسكر بعد أن تم سلبها وتخريبها من قبل البعض إلى سكن للمتجاوزين الذين وفدوا اليها من شتى أرجاء البلد والكثير منهم لا يُعرف عنهم أي شيء. وأكد بريسم أن الكثير من المخالفات والتجاوزات على منظومة الكهرباء وشبكة المياه الصالح قد أضرت بسكنة الزعفرانية، علما أن هذه التجاوزات تكون أمام وبعلم من الجهات المسؤولة.
للعتاكة نصيب ايضا
أما العتاكة فلهم نصيب أيضا في المعسكر حيث ينتظرون السيارات التي تقوم برمي النفايات اذ يتم نبشها بأدوات خاصة أعدت لذلك. الأطفال بدورهم يجمعون العلب المعدنية التي ترمى في الشوارع والطرقات العامة وهي ظاهرة غير حضارية للأسف تنتشر في مجتمعنا. سعر الكيلو الواحد قرابة 4000 دينار تباع إلى أصحاب معامل الالمونيوم في الزعفرانية. بعض الأولاد امتهن بيع وجمع الفافون والنحاس ، وحين استفسرنا عن كيفية الحصول عليه رد احدهم بأن هناك طرقا عدّة لذلك عن طريق جمعه أو شرائه بأسعار مناسبة من بعض العاملين في صيانة خطوط الكهرباء أو من سرقته من أسلاك الكهرباء المقطوعة أو التي خارج الخدمة.
الأمانة والمحافظة والاستثمار
الخلاف الدائر بين مجلس محافظة بغداد وأمانة العاصمة وهيئة الاستثمار هو السبب الاول في تأخر العمل بمشروع أو المشاريع التي رسمت او خطط لها على أرض معسكر الرشيد، هيئة الاستثمار أعلنت عن إنشاء مدينة سكنية متكاملة تضم شققاً حديثة وفللا كبيرة مع توفر الأسواق والمدارس والمستشفيات. أمانة بغداد أعلنت أكثر من مرة أنها بصدد إحالة أرض معسكر الرشيد إلى إحدى الشركات العالمية لبناء مجمع سكني. وهكذا حال التصريحات منذ عام 2003 وإلى الآن وحال معسكر الرشيد من سيئ إلى أسوأ. خاصة بعد اقتطاع جزء منها لحجز السيارات المخالفة من قبل مديرية المرور العامة.
هيئة استثمار بغداد سبق وأن أكدت المباشرة بمشروع معسكر الرشيد السكني وأنها ستتم حال تسلم أرض المشروع من وزارة الدفاع، وكشفت عن سعيها لإنشاء مدينة طبية في المكان ذاته.
وقال رئيس هيئة الاستثمار (شاكر الزاملي) في حديث إلى(المدى برس) نهاية العام الماضي، ان "المشروع السكني المقرر إنشاؤه في أرض معسكر الرشيد وسط بغداد هو من مهام الهيئة الوطنية للاستثمار، لكن وحسب المعلومات المتوفرة للمشروع بأنه تم تأجيله لأن فيه جزءاً يستخدم للأغراض العسكرية كمهبط للطائرات الحربية، فضلا عن مواضيع أمنية أخرى."
وأضاف الزاملي أن "عددا من الشركات العالمية التخصصية تقدمت للتنافس حول الحصول على عقد المشروع منها سامسونج وهانواي وداماك، وشركة كويتية"، مبينا أن تلك العروض المقدمة لا تزال قيد دراسة والتحليل. مشيراً إلى انه "بعد انتفاء الحاجة من الأرض المستخدمة من قبل القطاعات العسكرية في معسكر الرشيد وتسليم الموقع بشكل كامل إلى الهيئة الوطنية للاستثمار ستتم المباشرة في خطوات المشروع." وأكد الزاملي أن من بين المشاريع المقدمة على أرض معسكر الرشيد هو بناء مدينة طبية، موضحا ان الأمانة العامة لمجلس الوزراء وجهت بتوصية وإلزام إلى هيئة استثمار بغداد ووزارة الصحة بضرورة بناء مدينة طبية في معسكر الرشيد العسكري وتحديدا في مستشفى سابق كان موجودا ضمن بنايات معسكر الرشيد. وزارة الصحة هي الأخرى أعلنت حصولها على مساحة 4 دونمات في منطقة(معسكر الرشيد)، لإنشاء 14 مركزا متخصصا وفق المواصفات العالمية. وقال مدير إعلام الوزارة الدكتور عبد الغني الساعدي إن الوزارة تسعى لبناء المدينة الطبية التخصصية الثانية، بواقع 10 مستشفيات، في منطقة(معسكر الرشيد)، بعد أن استملكت 4 دونمات مجاورة لهيكل مستشفى قديم. كل هذه التصريحات والمشاريع وحال معسكر الرشيد على حاله.
