واليوم يهب على الساحة المسرحية في العراق تيار جديد بالغ الجد سمي (الرقص الدرامي) أو (دراما الجسد) وكان المغترب (طلعت السماوي) هو المستورد لهذا النمط المسرحي الذي يعتمد حركة الممثلين وتوظيف اعضاء اجسادهم للتعبير عن حالات فكرية وعاطفية معينة تأخذ شكل الدراما بنسبة أو اخرى، ويجمع الرقص الدرامي بين التمثيل الصامت والباليه والتعبير الجسماني ولغة الجسد وغالباً ما يؤدي كل ذلك مجموعة من الممثلين الراقصين، وقد جاء (السماوي) بهذا اللون من اوروبا في اواخر التسعينات من القرن العشرين وجمع حوله عدداً من الشباب من طلبة معهد الفنون وكلية الفنون ممن يتوق الى التجديد وكون منهم مجموعة خضعت للتمارين المكثفة بخصوص مرونة اعضاء الجسم وقدرتها على التعبير واستجابتها لايقاع الموسيقى. وبعد ان انتهى من تمارينه قدم عرضاً في مسرح الرشيد اثار انتباه المهتمين، وبعد ان اشيد بذلك العرض عاد (السماوي) الى بلاد الغربة – المهجر، وظهر من بين مجموعته الشاب النابه (علي طالب) ليقود المجموعة السابقة ويضيف اليهاً افراداً آخرين من الشباب المتحمس وقدم هو الآخر عرضاً لدراما الجسد نال الإعجاب ورشح للمشاركة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وبسبب الظروف الامنية غير المستقرة في العراق غادر (علي طالب) هو الآخر مهاجراً الى بلد آخر، ولم يكمل مسيرته الفنية التي كنا نعول عليها الكثير، ولم تنقطع سلسلة ذلك النوع المسرحي الجديد اذ سرعان ما بادر افراد من المجموعتين السابقتين ليتولون ادامة الحياة ومواصلة المسيرة فكان كل من (محمد مؤيد) الذي قدم عرضاً مثيراً في احتفالية بغداد عاصمة الثقافة العربية و(انس عبد الصمد) الذي قاد مجموعة اخرى من الشباب وقدم عروضاً نالت الاستحسان واستطاع ان ينقل بعض تلك العروض الى خارج البلاد ليشارك في مهرجانات مسرحية في اليابان وفي تونس وفي الجزائر وفي تركيا.
وكان هو الاكثر تحمساً ومواظبة في مسار (دراما الجسد) وظهر ايضاً (تحرير الاسدي) و(باسم الطيب) واخيراً وليس آخراً (علي دعيم) والبعض من اولئك الشباب كانوا قد تركوا العراق مهاجرين الى اوروبا وشاهدوا عروضاً مسرحية من ذلك النوع وربما دخلوا دورات تدريبية لتطوير مهاراتهم ورؤاهم الاخراجية والتدريبية.
شاهدت قبل ايام على شاشة التلفزيون مقاطع من العمل الذي صمم حركاته وأخرجه (علي دعيم) ولاحظت بأنه سار على النهج نفسه الذي اتبعه اولئك الذين سبقوه مع تغييرات نسبية، ومما أثار إعجابي بعمل (دعيم) والأعمال المشابهة الاخرى عدد من مظاهر الإبداع والالتزام والانضباط قد تكون نادرة في مسرحنا، اولاً: المنحى الابتكاري في عروض درامية لا تعتمد على الكلمة المنطوقة بل على الحركة والتعبير الجسماني ولا تعتمد على ازياء متخمة ولا على مناظر وديكورات استعراضية مكلفة، فالتكوينات التي سيشكلها الممثلون – الراقصون تعوض، ثانياً: المنحى التدريبي الذي يمر به أفراد المجموعة وبما يخص مرونة أعضاء الجسم وقوة تعبيرها ودقة ايقاع الحركات وتجانسها، ثالثاً: المنحى التكريسي حيث يبذل افراد المجموعة جهداً استثنائياً في انجاز عملهم من غير ان ينتظروا مكافأة مادية ويكتفون بملاحظات الاستحسان والإشادة.
ومثلما يتعهد الرياضيين خبراء في التدريب وفي تطوير المهارات خصوصاً من الأجانب كذلك يحتاج افراد مجموعات دراما الجسد الى أمثال أولئك الخبراء، ومثلما يتلقى الرياضيون محاضرات تخص اختصاصاتهم وتطوير مهاراتهم يحتاج افراد مجموعات دراما الجسد عندنا الى مثل تلك المحاضرات لتلقي المزيد من المعرفة وخصوصاً تلك التي وفرها (لابان) في كتابه القيم عن الحركة ووظائف اعضاء جسم الانسان ودلالاتها وتلك التي وفرها (دلسارت) عن علاقة اعضاء الجسم بعواطف الانسان والتعبير عنها، فالتزود بالمعرف النظرية عامل مهم في تطوير المهارات الجسدية.
بقي ان نتساءل عن كيفية وصول هذا التيار المسرحي الجديد (دراما الجسد) أو (الرقص الدرامي) الى جمهور اوسع من اولئك المهتمين وبحيث ان لا يقتصر على النخبة فقط، وعن كيفية الارتقاء بالذائقة الفنية للمتفرجين، وقد يكون في اقتراحي تقديم حكايات واحداث تهم أبناء الشعب بشكل واضح بواسطة التعبير الجسدي فقط، آمل ان يحدث ذلك في المستقبل.
تيار جديد يغزو الساحة المسرحية العراقية -2-
[post-views]
نشر في: 23 فبراير, 2015: 04:55 ص
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...