اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لعبة صبيان تخرج عن السيطرة

لعبة صبيان تخرج عن السيطرة

نشر في: 28 فبراير, 2015: 06:45 ص

صوت غامض يصرخ في رأسي ورؤوس كثيرين منذ شهور، بأن داعش ستبقى، وسيكون امامها فرصة لتحطيم كل رموز الحياة الاخرى. ليس في الامر شعور بمجرد هزيمة او تهوين من تضحيات ابطالنا المحاربين، لكن في وسع داعش ان تبقى لاننا متمسكون بكراهية بعضنا. فالاسلامي والعلماني يحرقان بعضهما كل لحظة. والسني والشيعي يقتلان بعضهما كل لحظة. الاغلبيات والاقليات، كردا وفرسا وتركا وعربا بالطبع، تقوم بتطوير الكراهية المتبادلة وحفلات التطهير والابادة. سقط مشروع الدولة من اللاذقية حتى عدن، اذ لا تقوم دولة بكمية الكراهية هذه.
وفي مثل هذه الفوضى ستنتصر الميليشيا الاشطر.. والاشطر الان هو داعش مع الاسف، فهي اقدر على الانتحار، سلاحها المضني.
واذا امتلكنا شجاعة لفهم الحكاية من الجذر فسنعثر على حل. اما اذا بقينا تائهين في جبال من الحقد والبارود والاصرار على معاداة كل الدنيا، فلن يكون هناك حل. وجميعنا سيساق الى المذبح قربانا لغياب العقل والاعتدال ورفضنا لمنطق التصالح مع الدنيا، كل الدنيا.
كان الصبيان يتخيلون الكراهية لعبة سهلة. اما الان فكلنا صبيان واللعبة تخرج عن السيطرة. اذ الكراهية موت مؤلم، والعزلة عن الدنيا موت مؤلم، والتشدد في طريقة الحياة وخيارات العقل موت مؤلم. والموت يخرج عن السيطرة ايها الصبيان العاجزون عن فهم السياسة ومعنى التسويات، ولا احد يبوح بذلك بما يكفي.
ان الكراهية كوقود لنار الحرب والقتل، تبدأ ملفوظة على الشفاه في المعبد وفي اكثر الاسواق وضاعة كذلك. الكاهن والبقال الوضيع يستخدمان الكلمات لاعلان الحرب، ومحكمتهما تصدر احكام اعدام على من يشاءان. والكلمة تتحول الى نقش او وشم او عبارة. شباب متحمسون غارقون في عبادة الجماعة او الطائفة ينقشون العبارة على حائط موقع التواصل الاجتماعي، ليعلنوا حربهم. وفي عالم الحقيقة يوجد شباب متحمسون ايضا يستخدمون السيف في الكتابة. ينقشون صور الكراهية نفسها، على جسد الخصم. انه نقش واحد ينتقل من شفاه الكاهن الى حائط فيسبوك ثم يظهر على جسد الضحية في العالم الحقيقي.
ان الكهنة والبقالين والشباب يخوضون حربهم بحماس "لحل مشاكل الكون" بعد ان فشلت الدولة في منطقتنا. وليت شعري، فلا الدولة تطورت ولا الكهنة المتشددون، ولا البقالون ولا الشباب. فلدينا من الطرائق البدائية والغريزية في التفكير، ما يكفي لإحراق العالم كله.
ونشهد هذه اللحظة صورة سقوط الدولة التي تعجز عن الفعل، فتلجأ الى الدفع بشباب مفخخ لحل مآزق الكون. دبلوماسيتها عاجزة، وجيوشها الرسمية عزيزة مذخورة في الثكنات، والامر موكول الى شباب متحمس مدجج بالسلاح، ورطناه بأكثر المهام قسوة، كي تتلوث يديه هو بلزوجة الدم البشري، وتبقى ايدي الحكام بيضاء تتزين بالفضة والذهب في اجتماعات وحوارات بلهاء.
ان اليأس من اصلاح العالم يستفحل ويتحول كما يبدو الى فعل يتسلى بإحراق العالم. وهذا ما يقوم به آلاف اليائسون الكبار والصغار اليوم.
وبلاؤنا متاهة داخل اسئلة مقلوبة وتبادل ادوار مهين وسخيف بثمن الدم الغالي. فحين يشتكي الشيعي من فساد المسؤولين، ياتي له سني متعصب ويقول شامتا: انها ديمقراطية الاحتلال التي طبلتم لها ونتيجة خيانتكم للرئيس العظيم صدام حسين! وهذه الايام يحصل شيء مشابه، اذ يشتكي السني من داعش وويلات الحرب والتشرد، فيشمت به الشيعي المتعصب ويقول له: هذه هي اعتصاماتكم وثوار عشائركم!
وكأن المطلوب من شيعة الامس ان يقبلوا بامراض صدام حسين بأي ثمن. وكأن المطلوب من سنة اليوم ان يقبلوا بظلم نوري المالكي واشباهه بأي ثمن.
المتعصبون من سنة العراق وشيعته وصدامييه "ومالكييه" متشابهون بدرجة كبيرة. ونتمنى لهم "الشفاء" فطالما بقوا مرضى سيبقى العراق بلدا عليلاً. لاننا لا نتحدث عن بضعة الاف مريض، بل دهماء مسكينة ومعهم طبقة متنفذة غارقة في الوهم، ترفض ان تصحو منه رغم كل الزلازل. اما داعش فقد ادركت هذا بعمق. وكل من عملوا على تدميرنا ادركوا هذه الثغرة بعمق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. محمد عبد الله دالي الرفاعي

    احسنت وضعت يدك على الجرح ولكن لا حيات لمن تنادي تحياتي لك

  2. محمد بركات

    ما احوجنا الى فكره او عمل او مشروع لنبذ الكراهيه بين افراد وطوائف واديان واثنيات الشعب الواحد وتفعيل اللحمه الوطنيه نحو اهداف مشتركه تخدم الجميع ... حلم على الجميع مسؤولية تحقيقه ... مقاله تستحق القراءه والتفكر فيما كان وما سيكون .. نأمل هذا مخلصين ...!

  3. محمد عبد الله دالي الرفاعي

    احسنت وضعت يدك على الجرح ولكن لا حيات لمن تنادي تحياتي لك

  4. محمد بركات

    ما احوجنا الى فكره او عمل او مشروع لنبذ الكراهيه بين افراد وطوائف واديان واثنيات الشعب الواحد وتفعيل اللحمه الوطنيه نحو اهداف مشتركه تخدم الجميع ... حلم على الجميع مسؤولية تحقيقه ... مقاله تستحق القراءه والتفكر فيما كان وما سيكون .. نأمل هذا مخلصين ...!

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram