محمد سعيد الصكار mohammed_saggar@yahoo.fr رغم كل ما تتداوله وسائل الإعلام عن الحضور النسائي في حومة السياسة العراقية، والإنجازات التي تحققت لها في مؤسسات المجتمع المدني ، والكوتة التي ضمنت لها نسبة مرموقة هي من حقها المشروع؛ رغم ذلك،
يبقى صوت المرأة العراقية دون ما يُنتظَر منها للصعود إلى مستوى ما تتيحه الحالة العراقية، وحاجة المرأة إليه. فالإكتفاء بما سنّته القوانين، وضمنت ما يحق للمرأة العراقية من حقوق، لا يكفي ما لم يتواصل كفاحها من أجل التطبيق العملي لتلك الحقوق، ولا يكفي الإعتداد بما حصلت عليه (قانوناً)، ما لم يتطابق عملياً مع الطموح المشروع للمرأة العراقية، والحضور فعلياً في عملية بناء الوطن، وإعادة النظر في الكثير من معوقات هذه العملية، واستثمار طبيعة المرأة في العطاء والتضحية، وهاجس الأمومة والعطف، والطاقة الهائلة في التحمل والصبر مما يجعلها أقوى وأكفأ من الرجال في معالجة المشاكل واستشرافها بحلول قد تغيب عن الرجال. هذه فلسفة قد لا تصلح في كل وقت، ولكنها قائمة، ويحسن استخدامها في أيامنا. لنأخذ مثلاً، موقف المرأة العراقية من قانون الأحوال المدنية الذي لا يجوز للمرأة العراقية التساهل فيه، مهما كانت المعوقات في تطبيقه، وتجييره لواقع الحال التحاصصي، فليس في صالح العراقية أن تساوم عليه، وتتنازل عن حقوقها فيه، والتخلي عن مكتسباته؛ وعليها أن تحشد كل القوى الوطنية، والأخص القوى الثقافية لتقف إلى جانبها في تثبيت تلك الحقوق والدفاع عنها. ولست في شك في أن تلك القوى ستندفع إلى مؤازرتها، وتعزز مساعيها. ولكن واقع الحال يفصح عن تقصير فادح في وعي المرأة لدورها الطليعي البنّاء وطاقاتها التي تؤهلها للنهوض بهذا الدور، وإلا لما انطلقت الدعوات العجيبة لتوظيف (محرم) لكل عضوة في مجلس محافظة واسط يقتحم مكتبها ويدخل غرفتها بحرية ويتقاضى على هذا (الفضل !) راتباً شهرياً من المال العام. تخصيص (محرم) لكل سيدة في موضع المسؤولية العامة يمسح كل ذلك الفرح الساذج بنسبة الـ 25٪ التي ظننا أنها بداية الإعتراف بدور المرأة العراقية ذات التاريخ العريق في المواقف الوطنية التقدمية التي فخرنا بها، ولا نزال، ونطالبها بالتحرك بثقة وحكمة لتوكيدها والإستزادة منها، والوقوف بوجه الإرتداد إلى عهود الإستخفاف بكفاءة المرأة، واعتبارها (جارية) ناقصة القدرة على التحرك والإنتاج بدون هذا (المحرم) الدخيل على تربيتنا الوطنية؛ علماً أن كثيراً من الجواري كنّ ذوات وعي وكفاءة نادرة المثال. لقد أتيحت لي الفرصة أثناء وجودي في العراق، في الصيف الماضي، أن أقف على نشاطات (مركز تدريب وتطوير الأرامل)، فرأيت مساحة الطموح الواسعة في نشاط هذا المركز، وسعدت به، وذكّرني ذلك بالمساحة الواسعة المتاحة للمرأة العراقية للنهوض به في ميادين الإبداع، وابتكار مجالات العمل. ولكنني، رغم ذلك، رأيت أن جذر التأسيس الضامن لمستقبل الوطن يكمن في توطيد الحالة التربوية، وتجديد مناهج التربية الحافلة الآن بمناهج عفا عليها الزمن، وتجاوزها واقع الحياة، ولابد من تغييرها لتناسب الحياة الجديدة، وللمرأة أن تحضر اليوم في الكفاح من أجل تنقية هذه المناهج، وتأسيس منطق معاصر لحالة البناء التربوي المتردّي في بلادنا. نريد تربية تحترم الأم والبنت، وتؤسس لمجتمع يكون فيه الجميع أحراراً في تطلعاتهم واختياراتهم لمستقبلهم، وأن تكفل لهم القوانين ذلك. التربية قبل كل شيء؛ والتربية تنشأ في بيت الأمومة، وهي المهمة الأولي للمرأة العراقية؛ وعليها أن تدق على هذا الوتر الحساس ولا تغفله. والعجيب أن الدعوات الكابحة لهذا التطلع المستقبلي للمرأة ينطلق من عدد من النساء أنفسهن، بانيات رؤيتهن على معايير ليست من هذا الزمان، ولا تبعث على الإعتزاز، ولا توحي باحترام كرامة المرأة. تصوّروا أن وفداً نسائياً عراقياً يتألف من عشرين سيدة للمساهمة في مؤتمر عالمي للأمم المتحدة، مثلاً، تصوّروا واقع الحال: عشرون نائبة تغادر على الدرجة الأولى، ومثلها عشرون محرماً متطفلاً بدون معنى. عشرون نائبة يُحجز لها في فنادق الدرجة الأولى، ومعها عشرون محرماً. عشرون نائبة يدخلن مطعم المنظمة الداعية، وإذا بالمنظمة تُفاجأ بأربعين شخصاً ، عشرون منهم خارج الوفد الرسمي. عشرون نائبة رسمية يجلسن على عشرين كرسياً مخصصة للوفد الرسمي . أين سيجلس السادة المحرمون؟ ومن المسؤول عن هذه الفوضى؟ وهذه هي إحدى التحركات الإفتراضية التي تتبعها تحركات أخرى في مناسبات أخرى، وكلها مربكة للمنظمين ، وذات تكاليف باهظة جداً، وخارج رواتب السادة المحرمين، فما هو حجم الميزانية المخصصة لهذا الهدر المفتوح للمال العام؟ وعلى أي أساس قانوني يبرره" علماً أن بعض الوفود يبلغ العشرات؟ أليس من حق الناس أن يعرفوا على أي أساس منطقي تطالب نساؤنا في واسط باختلاق (المحرم) الذي يغلب أن يكون من الأهل وأفراد العائلة؟ هي صورة كاريكاتيرية بلا شك، ولكنها واقعية على أساس ما تدعو إليه سيدات واسط المحترمات اللائي لم يخطر ببالهن هذا الحساب البسيط الذي يعرفه أي تلميذ في الإبتدائية. لغيري أن يتوسع في هذه المفارقات، ويأتينا يالكثير مما يجرح الكرامة
ســـيــــدات مــحـــافـــظـــة واســــط
نشر في: 19 ديسمبر, 2009: 05:03 م