TOP

جريدة المدى > عام > يشار كمال .. رحيل الأديب المتمرّد عاشق الأناضول

يشار كمال .. رحيل الأديب المتمرّد عاشق الأناضول

نشر في: 7 مارس, 2015: 05:56 ص

“منذ شبابي وحتى الآن قلت دائما أن العالم حديقة ثقافات تزهو بآلاف الزهور.وعند قطفنا لثقافة واحدة من هذا العالم، يعني زوال لونٍ، رائحةٍ وثراءٍ من عالمنا هذا”.يشار كمالفاجأتنا الاخبار قبل ايام عن رحيل الروائي التركي الشهير يشار كمال ( وهو من

“منذ شبابي وحتى الآن قلت دائما أن العالم حديقة ثقافات تزهو بآلاف الزهور.
وعند قطفنا لثقافة واحدة من هذا العالم، يعني زوال لونٍ، رائحةٍ وثراءٍ من عالمنا هذا”.
يشار كمال
فاجأتنا الاخبار قبل ايام عن رحيل الروائي التركي الشهير يشار كمال ( وهو من اصل كردي ) والذي ولد عام 1922 ( او 1923 ) . وهو من ابرز ادباء العالم في القرن العشرين .. وكنت قد كتبت عدة صفحات عن هذا الروائي الاناضولي الراحل قبل سنوات طوال ضمن كتابي " نسوة ورجال : ذكريات شاهد الرؤية " . واليوم ، وبعد ان سمعت برحيل الرجل يوم 28 شباط / فبراير 2015 ، استدعيت مقالتي القديمة ، واقتطفت منها هذه النصوص والمعلومات اذ وددت اعادة نشرها هنا لمناسبة رحيله .
قلت : نعم انه صاحب اسرار كثيرة ، وصاحب اشياء كبيرة .. وتبدأ حكايتي في ملاقاتي معه في استانبول على مدى عشرين دقيقة ، وكان الجو مشمسا والنسيم عليلا .. عندما كنت برفقة الصديق والزميل نامق اوغلو ( الاستاذ حاليا في جامعة استانبول ) ونحن نمشي في الحدائق الفاصلة بين جامع السلطان احمد ( الجامع الازرق ) وايا صوفيا في استانبول ، وقد خرجنا توا من دائرة الارشيف العثماني والمتحف البيزنطي ، وكان ذلك ضحى يوم السبت من الاسبوع الثاني يونيو / حزيران 1979 ، وكنت قد امضيت قرابة الشهر في تلك العاصمة العريقة لكل من بيزنطة وآل عثمان قادما من جامعتي البريطانية بحثا عن الوثائق العثمانية الخاصة بالقرن الثامن عشر ، وكنت مع صاحبي نامق نبحث عن فنجان قهوة ، فدلفنا الى مقهى شهير ، وجلسنا قرب رجل كان - كما يبدو - غارقا في تأملاته .. قال لي نامق : انه يشار كمال الشاعر والاديب التركي الشهير !! انه يأتي هنا كل يوم سبت لاحتساء قهوته .. تطفلنا عليه بالسماح للجلوس معه لدقائق .. انتبه ورحب بنا وخشي ان نكون من الصحفيين ، وقد لفت نظره نامق الى كوننا من الطلبة الدارسين لتاريخ العثمانيين .. التفت ببراءة ، وكان كريم العين ، فوجدنا نبتسم اليه فألقى تحيته الينا ثانية وقال بالتركية : اجلسا ما بالكما ومن اين انتما ؟ فاقتربنا منه ورحنا نلتقط منه الكلمات ، وفرح عندما عرف بأنني عربي من الموصل في العراق ، وقال ان الموصل بمثابة الجسر الرابط للاتجاهات الاربعة جغرافيا شمالا من الاناضول حتى بحر العرب وغربا من المتوسط للشرق البعيد .. وهي حلقة وصل الشعوب الاربعة ثقافيا : الترك والكرد والعرب والفرس ..
كان الصديق نامق اوغلو يترجم لي ما لا التقطه بالتركية .. ثم تحدثنا عن القرن العشرين ، واعطانا من جيبه قصاصة من ورق ، كتب عليها انطباعه عن حظه الوافر السعيد كونه احد ابناء الاناضول ، وقد كتب عليها بقلمه الحبر جملا مبسطة .. وقد احتفظت طويلا بتلك الكلمات الجميلة في واحد من اهم دفاتري قرابة عشرين سنة ، ثم ضاعت في زحمة اسفاري ويا للاسف الشديد !
لقد سألته عن ثقافة الاكراد في الاناضول ، فكانت معلوماته عادية ، اذ بدا لي بأن ثقافته التركية تطغى على عرقه واصله وهو لا يعرف اللغة الكردية ابدا ما خلا بعض الكلمات ، وسألته عن علاقته بالمثقفين والمبدعين العرب ، فأجاب بأن لا علاقة تربطه بهم ، وكان ذلك حتى نهاية السبعينات من القرن العشرين .. ولا ادري ان ارتبط بصداقات مع بعض الادباء العرب لاحقا ، وبدا لي بأنه يفضل العزلة على الاختلاط بالآخرين ، خصوصا وانه قال بأن وجوده لوحده يمنحه نعمة التفكير ، وخلق المعاني الجديدة . اما اختلاطه بالآخرين ، فسوف يضيّع عليه جملة كبرى من الافكار .. بدا لي بأن يشار يعشق الاناضول عشقا من نوع خاص ، وان الافكار اليسارية مسيطرة عليه حتى تلك اللحظة ، وانه يكره الحرب والحروب كراهية عمياء ، وان ذاكرته مثقلة بجراحات طفولته .. يبدو للآخرين انه شخص مخيف بقسمات وجهه الصارمة ونظرته المستقيمة الحادة ، ولكني وجدته في الحقيقة لطيفا وشفافا ويخاف من خياله ! ويردد كلمة " الانسان " كثيرا ، فهو انساني النزعة ويريد من الدول والكيانات السياسية ان تحترم الانسان اينما وجد على الارض سواء أكان شخصا مفردا ، او جماعات عدة في مجتمع ، او شعب بشري بين الشعوب .. وجدته يهوى الطبيعة ، ويحب الاخضرار ، ويفضل الاستماع الى موسيقى تلك الطبيعة في اويقات معينة وخصوصا عند الفجر او عند الغسق .. يعشق نهر الفرات كثيرا ! ان لم تسأله لا يتكلم ، وكلامه مختزل جدا ولكنه يزدحم بالأفكار والمعاني .. فكره حديث جدا ، لا يؤمن بالماضويات ولا بالأديان اذ يعتبرها اليوم من الآفات الصعبة ( كذا ) ! وقال كلمة لم افكر فيها حينذاك ، ولكنني عدت اتأمل فيها في قابل الايام ، قال : منذ الاول من فبراير / شباط ( 1979)، عادت العمامة الينا ثانية لتحلّ بدل القبعة ، وستحل تداعيات مخيفة في منطقتنا ! ( وقصد في ذلك اعتلاء الإمام الخميني الحكم في ايران ) ، وبدا لي بأنه ضد أي حكم ديني اذ كان يعشق المعاصرة الجديدة وحياة الحداثة مع ايمانه بعلمنة الحياة واشتراكية الانسان والمجتمع والقوانين المدنية هي مفاتيح الدولة الناضجة .. انه النموذج المثقف الذي انتجته بدايات تاريخ القرن العشرين وقد تخرّج في مدرسة مصطفى كمال اتاتورك !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

مقالات ذات صلة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم
عام

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

دانييل دينيتترجمة: لطفية الدليميلم تكن الفلسفة متعاضدة مع العلم دوماً. في الأطروحة التالية ستنكشف لك الأسباب المسوّغة لضرورة تغيير هذا الأمر.يقدّمُ أدناه دانييل دينيت Daniel Dennett -الأستاذ الممارس في جامعة تافتس والمؤلّف الذي فاقت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram