TOP

جريدة المدى > عام > الحياة تصنع رواية باتريك موديانو

الحياة تصنع رواية باتريك موديانو

نشر في: 8 مارس, 2015: 08:05 ص

 يتميز الكاتب الفرنسي باتريك موديانو، الفائز بجائزة نوبل للآداب 2014، بغزارة نتاجه الأدبي. لقد خصص عمله الروائي الذي يقارب الثلاثين كتاباً، لبداياته السعيدة والحزينة في الحياة. تشبه هذه البدايات تاريخ فرنسا في زمن الاحتلال وتاريخ خروجها من دون م

 يتميز الكاتب الفرنسي باتريك موديانو، الفائز بجائزة نوبل للآداب 2014، بغزارة نتاجه الأدبي. لقد خصص عمله الروائي الذي يقارب الثلاثين كتاباً، لبداياته السعيدة والحزينة في الحياة. تشبه هذه البدايات تاريخ فرنسا في زمن الاحتلال وتاريخ خروجها من دون مجد من سنوات الحرب تلك. وبحسب البيان الصحفي للأكاديمية السويدية، فإن موديانو كرّم لأجل "فن الذاكرة الذي أبرز معه المصائر الأكثر عصياناً وكشف العالم الذي يعيش تحت وطأة الاحتلال".

 

بمنح هذه الجائزة للروائي الفرنسي موديانو، كرّس محلفو الأكاديمية السويدية القليل من الموسيقى للأدب الفرنسي، والمتمثلة بالخيال الذاتي الذي عرف مجده في القرن العشرين مع مارسيل بروست وروايته (البحث عن الزمن المفقود). وبدأ في الوقت الحالي من جديد مع كتّاب جيل ما بعد الثورة الصناعية ومنهم كريستين انغو. وبين بروست وانغو، ظهر موديانو الذي صنع من آلام طفولته وفوضاها مصدراً لعمله الأدبي الذي يشكل مفترق طرق بين السيرة الذاتية والخيال والتاريخ. 
ان حياة موديانو هي عبارة عن رواية، ويمكن القول "رواية سيئة" كانت الكتابة فيها شافية للروائي بشكلٍ مضاعف. وسمحت له في الوقت ذاته بإدراك الهوات الموجودة في حياته والابتعاد عنها ليتمكن من اكتشاف نفسه مجدداّ. في رواية (مسألة نسب)، الذاتية بشكلٍ صريح للغاية، تحدث موديانو عن هذا الخلاص وذكر تاريخه بدقة. كان ذلك بعد ظهر أحد أيام شهر حزيران من عام 1967، حين علم بأن مخطوطة روايته الأولى التي سلمها إلى دار نشر غاليمار، قد تم قبولها. يقول موديانو: "في ذلك المساء، شعرت بأني مرتاح لأول مرة في حياتي. ان التهديد الذي كان يضغط عليّ كل هذه السنين، ويجبرني على أن أكون متيقظاً على الدوام، قد تبدد في هواء باريس. لقد هربت قبل أن ينهار الزورق المنخور، وحدث هذا في الوقت المناسب".
هذا الزورق المنخور هو الحياة التي ورثها الروائي عن أهله الذين هم أيضاً كانوا يفتقرون إلى التوازن إلى حدٍ ما، ومتخبطين بسبب الاخفاق والكبت وضيق ذات اليد وفوضى عصر الحرب والاحتلال من دون رؤية كبيرة للمستقبل. 
ولد باتريك موديانو عام 1945 في بولون- بيانكور/ فرنسا. وترعرع في وسط باريس القيود والسوق السوداء والتجارة غير المشروعة بكل أنواعها. وفي وسط هذه السيرة، نجد الأب البرتو اليهودي من أصل إيطالي، وهو قريب من غستابو (البوليس السري النازي) وطبقة اللصوص، وأيضاً الأم القادمة من شمال بلجيكا إلى باريس، والتي كانت ممثلة كوميدية برغم عدم امتلاكها لمواهب كبيرة وكانت تبحث عن أدوار ثانوية في السينما أو المسرح. بعد انفصالها عن زوجها، لاقت مشقة في الاعتناء بأبنائها الذين اعتمدوا في الغالب على أنفسهم. تقاسم الشاب باتريك مع أخيه رودي حياتهما بين الملاجئ الغريبة والمدارس الداخلية الكئيبة وشقة أبيهم في رصيف كونتي التي كانت في الوقت نفسه مكتباً له. هذا الرصيف الذي كان يرتاده جمع من الرجال والنساء المبتذلين. صدم موديانو كثيراً بموت أخيه الصغير رودي الذي كان صديق طفولته الوحيد. 
عانى الطفلان أيضاً من غياب مودة الأهل. ويحب موديانو أن يروي بأن أمهما كانت تمتلك قلباً قاسياً بحيث أن كلبه انتحر برمي نفسه من النافذة. وكذلك القسوة غير المفهومة للأب الذي يصف أبنه بسيئ التربية، ويستدعي عليه الشرطة عندما يلح في طلب النقود من أجل العيش. ولأجل الخروج من هذا المستنقع العائلي، اقتحم موديانو مجال الكتابة التي كانت بمثابة الملجأ أو الركيزة التي تمسك بها أمام "التذبذب المستمر" للحياة. 
كان موديانو في الثانية والعشرين من عمره عندما نشر روايته الأولى (ساحة النجمة) الصادرة عن دار نشر غاليمار. وقد ساعده في ذلك صديق أمه (ريموند كونو) الذي قدم مخطوطة الرواية للجنة قراء غاليمار. يعد هذا الأمر ولادة جديدة بالنسبة للروائي الشاب، لكن الأفكار الرئيسة المسيطرة على مجمل عمله الأدبي، سبق أن عرضها في روايته الأولى وهي: الاحتلال الألماني وباريس والطفولة. والشيء المؤثر أيضاً في كتابه الأول، هو العلاقة التي يحافظ عليها الروائي مع الماضي. أنها ليست علاقة حنين على الإطلاق، لكنها متعلقة بالشاعرية وبالحلم. يحلم موديانو بالماضي، لكن حلمه خالٍ من المؤثرات.
وهو في بحثه عن الماضي، يبحث أيضاً عن الذات المجسدة عموماً في رواياته عن طريق شخصية ذكورية تتساءل عن تناقضاتها الخاصة وتناقضات عصرها. وهذا هو شكل روايته الحاصلة على جائزة نوبل (حتى لا تضيع في الحي) الصادرة عن دار نشر غاليمار، إذ أن الثنائية الإسطورية للكاتب تدعو القارئ إلى الدخول في متاهات ذاكرة قريبة جداً وفي الوقت نفسه بعيدة جداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

مقالات ذات صلة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم
عام

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

دانييل دينيتترجمة: لطفية الدليميلم تكن الفلسفة متعاضدة مع العلم دوماً. في الأطروحة التالية ستنكشف لك الأسباب المسوّغة لضرورة تغيير هذا الأمر.يقدّمُ أدناه دانييل دينيت Daniel Dennett -الأستاذ الممارس في جامعة تافتس والمؤلّف الذي فاقت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram