TOP

جريدة المدى > عام > ملاحظات وتعقيب على موضوع "الشاعر الجيد"..مواقف للجواهري لا بـد أن تسجل 1-3

ملاحظات وتعقيب على موضوع "الشاعر الجيد"..مواقف للجواهري لا بـد أن تسجل 1-3

نشر في: 8 مارس, 2015: 08:07 ص

تابعت باهتمام حلقات أخي وصديقي د. عز الدين مصطفى رسول المنشورة على صفحات جريدة المدى الغراء.
لكني لاحظت بعض الأمور التي تحتاج إلى تصويب وتوضيح لتستكمل الصورة الجميلة لهذه الذكريات والخواطر.
الملاحظة الأولى ،أو بالأحرى التصويب الأول، هي ما ورد في مط

تابعت باهتمام حلقات أخي وصديقي د. عز الدين مصطفى رسول المنشورة على صفحات جريدة المدى الغراء.

لكني لاحظت بعض الأمور التي تحتاج إلى تصويب وتوضيح لتستكمل الصورة الجميلة لهذه الذكريات والخواطر.
الملاحظة الأولى ،أو بالأحرى التصويب الأول، هي ما ورد في مطلع الحلقة الثالثة بخصوص نسب زوجتي الجواهري "مناهل" والدة أميرة وفرات وفلاح وأختها "آمنة" والدة نجاح وكفاح وخيال وظلال، إذ يذكر الأخ العزيز "عزي" : "(آمنة الجصاني) كما نسميها (أم نجاح) هي أخت زوجته الأولى (أم فرات) وأخت المربي المعروف (جواد الجصاني)."
والصحيح أن الأختين جواهريتا النسب عن أب وجد. فهما ابنتا الشيخ جعفر بن الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر. وإن المربي المعروف السيد جواد الجصاني هو زوج أخت الجواهري الوحيدة "نبيهة".

 

الملاحظة الثانية والتي أثارت استغرابي هي اقتناع أخي العزيز برواية الشاعر الراحل كاظم السماوي حول مطلع قصيدة (خلفت غاشية الخنوع ورائي)، والتي يدعي فيها (كما جاء في الحلقة الثالثة من خواطر د.عز الدين أيضاً): "... وأتذكر أن الشاعر المبدع الراحل كاظم السماوي كان يروي أن الجواهري كان يسأله عن مطلع قصيدته (خلفت غاشية الخنوع ورائي) فيقول كنت أقول له (لا يا أبا فرات) حتى تلا عليه هذا المطلع فقلت له (نعم يا أبا فرات، هذا هو، هذا هو) فثبته، وأنهى القصيدة وهو في طريقه إلى الشام لحضور تأبين عدنان المالكي." ويأتي استغرابي هذا من أن العزيز "عزي" يعطي تحليله الصحيح لنفسية الجواهري وطبيعته في مستهل حلقته الأولى، فيذكر معلقاً على سؤال الجواهري له عن وقع قصيدته "أطفالي وأطفال العالم" التي ألقاها خلال المؤتمر العالمي لأنصار السلام في موسكو عام 1962، إذ يقول الدكتور عز الدين: "... سألني الجواهري.. ها.. عزي كيف كانت القصيدة؟ واستغرب الجميع أن يسألني من غير الآخرين، أو يسأل أحداً عن مستوى شعره وهو القائل (نحن بناة الشعر آلهة) ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أتساءل متى تسنى للراحل كاظم السماوي هذا اللقاء وموضوع سفرة الجواهري إلى دمشق لم يستغرق إلا أياما معدودات. كما أن رواية الجواهري نفسه عن هذا الموضوع تتناقض كلياً مع هذا الإدعاء إذ يقول الجواهري في مذكراته (ذكرياتي/ ج2):
حين كنت في العراق وحين خرجت من بغداد لم يكن لدي سوى بيت واحد من قصيدة التأبين كنت اعتبره المطلع:
إن كنت تسأل عن نجوم سمائي تهوى فتلك مصارع الشهداء
ويستطرد الجواهري فيقول أنه خلال الحفل التكريمي الذي أقامته له رئاسة الأركان السورية ثاني يوم وصوله بادره "هشام العظم" : "... بالسؤال عما إذا كان لديّ شيء مما أعددته لحفل التأبين، أخبرتهم بواقع الحال وقلت لهم ليس لديّ سوى هذا البيت فأطروا عليه ولست أدري إن كان ذلك الاطراء من قبيل المجاملة أو من قبيل الواقع ثم قلت لهم: أن هناك كفاية من الوقت".
ويستطرد الجواهري فيقول: "... ذات مرة سألني (ويقصد هشام العظم ) .. هل من جديد في القصيدة.. قلت لا والله يا أبا عزة إنما سأسألك هل أنت راض بحق عن مطلع القصيدة .. قال: أنه بديع جداً.. قلت: لو شئت أن أبدل هذا المطلع بثان يقول: خلفت غاشية الخنوع ورائي.. فماذا سيكون رأيك.. قال: وباللهجة الشامية الدارجة.. وشبه الكافرة والرجل صائم "يلعن دينك" ماذا تقول أين هذه المعجزة الشعرية وأين تلك النجمة أو تلك الشعلة، إن هذه لصاعقة مدوية ومزلزلة.. وكما كان لي مع قصيدة أبي العلاء التي مر الحديث عنها في الجزء الأول من هذه الذكريات حيث أمسك بالخيط الأول، وأكملت القصيدة كذلك كان شأني مع هذه القصيدة.."
وبهذا المعرض ليسمح لي الأخ العزيز "عزي" أن لا أتفق معه في ما ذهب إليه من أن الجواهري: "وهو رغم (علوّه) يسأل بعض المتذوقين عن المطلع..." فإن اعتداد الجواهري بنفسه وبشموخه الشعري واللغوي كانا يمنعانه من ذلك وكل ما ادعى به الآخرون من قبيل ادعاء السماوي لا صحة له اطلاقاً. وإذا ما أسمع الجواهري الآخرين هذا المطلع من هذه القصيدة أو تلك، كما هو الحال مع "هشام العظم"، فإنما ليرى رد فعل المستمع وهو واثق من انبهاره وإعجابه. أقول ذلك بالرغم من أن ذلك قد يسجل كنقيصة على الجواهري ولكن هذا واقع الأمر.
الملاحظة الأخرى حول ما أشار إليه العزيز الدكتور عز الدين بشأن قصيدة "هاشم الوتري" إذ يقول: "... وعن إلقائه هذه القصيدة في تكريم الدكتور هاشم الوتري، سمعت بنفسي الجواهري يقول: كل عمري ما أنا نادم على وحدة (أي شيء ما) غير هذا، فما كان علي أن أذهب ما دام (سيدهم) و(الباشا) موجودين.."
أعتقد هنا أن التباساً قد حصل لدى الأخ العزيز "عزي" مع قصيدة أخرى. فهذه القصيدة إحدى مفاخر الجواهري في التعبير عن ثوريته وتمرده وتحديه. كما إني ومن معي لم نسمع من الجواهري، لا في جلساتنا العائلية، ولا في جلسات الجواهري الخاصة مع أقرب سامريه وصفوة أصدقائه أنه "ندم" على حضور حفل تكريم الدكتور الوتري وإلقاء قصيدته. من جهة أخرى، لم يكن الجواهري في تلك الفترة يتمنى شيئاً وفرصة أحسن من هذه الفرصة ليرمي حمم البركان الذي كان يغلي داخله. ويعبر الجواهري أحسن تعبير في مذكراته (ذكرياتي/ ج2) عن هذه الحادثة فيقول بعد أن اتصل به الدكتور اسماعيل ناجي داعياً له للمشاركة في في هذا الاحتفال:
"كان ذلك بالنسبة لي مطمحاً ما بعده من مطمح وعيداً سعيداً وفرصة سانحة. كنت مستعداً أن أضحي بحياتي في سبيلها وأنا في مثل هذه الظروف الصعبة وعلي مثل تلك الحال وفي صميم الوضع الرهيب المتأزم في العراق، ولأجل أن أتثبت من صدق الخبر وأبدد كل شك بصدقه، أظهرت شيئاً مصطنعاً من التعزز والتمنع وقلت: "أنا تعب"
فقال: يا فلان أقبل يديك..
فقلت: ما دامت القضية بهذا الشكل ولمثل الدكتور الوتري فأنا موافق. أغلقت سماعة الهاتف وغرقت في فرح طفولي عارم بلغ حد الرقص. إن الفرصة التي انتظرتها طويلاً أتتني طائعة منقادة (تجر أذيالها) وبشكل عفوي وفي وقتها المناسب وأعتقد أن القنبلة المشحونة المنزوعة الفتيل اقتربت من لحظات الانفجار الأخيرة وما أروع هذا الانفجار المدوي في مثل هذه الساعة وهذا اليوم تحت الظلال السوداء من مجالس الحكم العرفي..
كنت على سطح الدار في تلك الليلة نفسها وأنا على حصيرة وفراش بسيط ممدود عليها وبجانبي زوجتي ويحيط بنا أطفالنا، عدا (فرات) الذي كان حينئذ في سجن (الكوت)، ونحن على تلك الحال وإذا بصوتي المألوف في التغني وبالنغم البدوي الشجي: "إيه عميد الدار"..."
فالأرجح حصول التباس لدى عزيزنا د. عز الدين، فما ندم عليه الجواهري فعلاً (كما لم يندم على شيء)، بل وندم عليه حتى قبل أن يلقيها، هي قصيدته في حفل تتويج الملك فيصل الثاني عام 1953. هذا الندم الذي جعله يحجبها عن جميع طبعات ديوانه اللاحقة حتى رحيله. وما نشر منها كان فقط مقطعين تضمنا أبياتاً تحمل دعوات تنويرية و"توجيهات" جواهرية، اجتماعية وسياسية وثقافية مهمة، التي لم تغب عن اللجنة المشرفة على طبعة وزارة الاعلام العراقية لديوان الجواهري في سبعينات القرن الماضي، التي كانت تضم اثنين من أحب أصدقاء الجواهري وأخلصهم: العلامة الدكتور مهدي المخزومي والعلامة الدكتور علي جواد الطاهر، الذين استطاعا إقناع الجواهري بنشر تلكم الأبيات تحت عنوان "أطياف بغداد".
حول هذه القصيدة وحول هذا الندم يذكر الجواهري وتحت عنوان "الهاوية" في ذكرياته:
"في أوج العز وأوج الشموخ، ومرحلة التفاف الجماهير حول قادتها.. وفي مرحلة تهيب الحاكمين.. وحتى الطغاة منهم.. من مس أي مواطن..في هذا الجو وفي فترة لم يمر عليّ أعز منها منذ بدايات الأربعينات أنحدر انحداراً لم أنحدر مثله طيلة حياتي والأكثر إيلاماً في ذلك الانحدار أنني أردته بمحض إرادتي وبدون أية ظروف ضاغطة وبدون أية مساومة وبدون أي مقابل.
إنها زلة العمر التي ظلت عالقة بي طيلة فترات طويلة حتى بعد أن (كفرت) عنها (قصيدته كفارة وندم- الكاتب) وبعد أن نهضت من كبوتها وأنا أخلف (غاشية الخنوع) ورائي ومع هذا فقد أوقعت نفسي في عذاب الضمير، ولاحقت نومي بالكوابيس وهويت بإرادتي إلى ما لا أشاء لها.. ألا وهي "قصيدة التتويج" التي قلتها في مديح "فيصل الثاني".. أقولها زلة وأكثر من زلة لا أتراجع ولا أحاول أن أخفف من وطأة الموقف ولن استعمل التبرير الذي اعتاده رهط كبير من الكتاب ممن يخطئون ويزلون في المجتمع العربي.. ذلك لأنني بمحض إرادتي هرولت مسرعاً إلى تلك الهاوية.. لقد اغتصبت في تلك الزلة ضميري وما أصعب أن يجد المرء ذو الحساسية ضميره مغتصباً وممن، ومن ذاته..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

مقالات ذات صلة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم
عام

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

دانييل دينيتترجمة: لطفية الدليميلم تكن الفلسفة متعاضدة مع العلم دوماً. في الأطروحة التالية ستنكشف لك الأسباب المسوّغة لضرورة تغيير هذا الأمر.يقدّمُ أدناه دانييل دينيت Daniel Dennett -الأستاذ الممارس في جامعة تافتس والمؤلّف الذي فاقت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram