هنالك جيل جديد - قديم، انخرط مؤخرا في الجدل السياسي، وهو يواجه التساؤلات المؤلمة لاول مرة. ولا طريق امام ابنائه سوى ان يتعلموا ولو ببطء احيانا. لكن ما يثير حيرتي هو انهم يبذلون جهدا مضنيا لاثبات ان هذا المذهب منزعج من ذاك المذهب، وان جزءا من السنة لا يحبون الشيعة، او العكس. فاسألهم احيانا: هل ترون اننا بحاجة الى اثبات هذه "البديهة" التي كانت حاضرة على مر التاريخ الديني، ام اننا كبشر متحضرين او هكذا نريد ان نصبح، ينبغي ان نحاول تخفيف الاحتقان ونقترح طريقة اقل كلفة لادارة الصراع، بعد ان شبعنا موتاً؟
ولايزال المجانين يقولون ان الوقت غير مناسب ل"تخفيف الاحتقان" لاننا في حرب، ولا يزال العقلاء يدعون الى العكس والى التعلم من التجارب التي تخبرنا اننا بحاجة لتخفيف الاحتقان الاجتماعي هذا بشكل متزايد اثناء حربنا مع داعش، وذلك كي نحصر القوة القتالية بالمسلحين والمتورطين معهم، اذ ليس من مصلحة احد ان يجري "تدعيش" ملايين العراقيين وجعلهم يغضبون ويصبحون منحازين للارهاب بشكل او باخر، كما يفعل كثيرون اليوم بلا قصد، او مع قصد مسبق، يهدف لتبديد اي فرصة عمل مشترك او تقارب يمكن ان نستعيد عبره جزءا من "هيبة العراق"، حتى لو كان جزءا بسيطا.
الى اي درجة يمكن ان يكون هذا الخيار الواعي، حاضرا في حربنا على داعش؟ والى متى نعجز عن حماية تضحيات شهدائنا، بقدر من السياسة الحكيمة، وكم مرة ضاعت تضحياتنا المكلفة بسبب نقص في التدبير السياسي؟ وكم مرة بقيت حربنا بلا نهاية لاننا امتلكنا الدم والتضحية، ولم نستخدم العقول في وضع نهاية ممكنة للحرب تتيح لشبابنا ان يلقوا السلاح ويتفرغوا للبناء والمعرفة والاستمتاع بالجمال، او بما تبقى من جمال؟
ان تنازع الخيارات هذا سيفتح عراكا داخل الطائفة الواحدة، بين "صاحب السياسة" و"صاحب السيف"، وهو عراك تقليدي قائم حتى في البنتاغون، لكن الفرق ان البنتاغون يقاتل ويخوض نقاشات مفيدة في الوقت نفسه، بينما نحن لا نمتلك الصبر الكافي على التفهيم والفهم، وتمييز ما يستحق النقاش عما لا يستحق، فنستسهل اللعب بالأسنة والرماح على الحوار الصبور وصوغ الحلول، ولذا لم يمنحنا التاريخ سوى نصر ناقص او سطحي، في الغالب، وظلت حروبنا تتوالد وتتناسل وتفرخ، امواتا ولدهم الاموات، وخاسرين انجبهم الخاسرون.
والأوان لا يفوت ابدا على التصحيح والمراجعة، ولذلك فان علينا ان لا نغضب حين يقول الجنرال مارتن ديمبسي ان المشكلة لن تجد حلا باسقاط مزيد من الصواريخ، ذلك ان ما سقط من صواريخ على بلادنا في اخر ثلاثين عاما، يكفي عشرة حروب كبيرة، ولم يساعد ذلك على ظهور حل سليم، بل يتطلب الامر حزمة اجراءات قاسية، وكما تحتاج الحرب الى التضحية، فان صناعة الاستقرار تحتاج التضحية السياسية المحسوبة ايضا.
ولفت نظري ونظركم هذه الايام، ان كثيرا من ابناء المحافظات السنية بدأوا "يؤجلون" حساسيتهم من طهران، ويحاولون تفهم الوقائع التي لا تعجبهم، ولا تعجب كثيرا من العراقيين الشيعة والاكراد ايضا. فوجود ضباط اجانب معك في خندق واحد، امر غير طبيعي ولا شك. ولعل مبادرة السنة بتأجيل "حساسيتهم" من ايران، تشجعنا على تأجيل حساسيتنا حيال واشنطن ايضا، لنتمكن من التركيز على هدف واحد: اعادة صوغ علاقتنا بالعالم وفق حسابات وطنية جديدة، واعادة صوغ علاقاتنا الداخلية بما يضمن نهاية لموت احلى شباب البلاد الذين لا يتوانون عن التضحية.
هي اذن حاجة لفهم ما يفعله صاحب السيف، وصاحب السياسة، وكثير من بلايانا نتجت عن توزيع سيء بينهما، للمهام والانفعالات. فهل يمكن ان نعيد التوزيع وسط عراك الطوائف؟
السيف والسياسة في عراك الطوائف
[post-views]
نشر في: 9 مارس, 2015: 06:14 ص
جميع التعليقات 2
Waleed H Alebrahemy
المصيبة الكبرى عندنا انه كلما حدثت مشكله سياسية في بلادنا يقوم السني والشيعي بتقديم رجال الدين لحل المشكله .ولم نعلم ان الحوار يحتاج ﻻختصاصيين سياسيين محاورين لهم باع في وضع الحلول .ﻻ لرجال دين لم يصلحوا انفسهم ﻻاصلاح طوائف وسياسيين متناقضين ..لذلك نرى ان
Waleed H Alebrahemy
المصيبة الكبرى عندنا انه كلما حدثت مشكله سياسية في بلادنا يقوم السني والشيعي بتقديم رجال الدين لحل المشكله .ولم نعلم ان الحوار يحتاج ﻻختصاصيين سياسيين محاورين لهم باع في وضع الحلول .ﻻ لرجال دين لم يصلحوا انفسهم ﻻاصلاح طوائف وسياسيين متناقضين ..لذلك نرى ان