تعتبرهذه السنة بالنسبة للفن التشكيلي سنة استثائية وخاصة . فبعد المعرض الكبير والنادر الذي أقامه متحف رايكس ميوزيام للفنان العبقري ريمبرانت ، هاهي الاستعدادات جارية على قدم وساق للاحتفال بمرور 125 سنة على وفاة العبقري الآخر فنسنت فان كوخ ، هذا الفنان الذي ترك أثراً كبيراً على أغلب الفنانين الذي جاءوا بعده . حيث ستقام بهذه المناسبة معارض كثيرة للرسم ، كذلك ستبدأ العديد من الفعاليات الثقافية والفنية التي تتعلق بالمناسبة ، وبالتأكيد ستنشر كتب كثيرة لها علاقة بهذا الفنان الفريد والمؤثر وستفرد له المقالات والاشارات الثقافية والبرامج التلفزيونية وسيعرض عمل مسرحي موسيقي ضخم عن حياته . باختصار ، سوف يؤطر اسمه بالذهب من جديد وسيصبح نجمه أكثر لمعاناً وأشد بريقاً.
من بين كل هذه التفاصيل والنشاطات جلب انتباهي وحرك مشاعر عديدة بداخلي شيء متفرد وجميل ، ألا وهو رسائل فنسنت التي طبعت بكتاب جديد بعنوان ( فن الكلمة ) مع عنوان فرعي آخر هو ( أجمل 260 رسالة كتبها فنسنت فان كوخ ) ، وقد أصدر هذا الكتاب متحف فان كوخ في أمستردام واجتمع ثلاثة كتاب لتقديم الرسائل واعدادها وانتقائها وهم ليو يانسن وهانس لوتن ونينكا باكر . يا الهي ماهذا الكنز الجمالي والانساني ، بدأت أقرأ في هذا الكتاب وأطّلع على هذه الرسائل من خلال اللغة الأصلية التي كتبت بها ، رسائل لواحد من أهم الشخصيات على مر التاريخ ، أقرأها وأنا أفكر بهذا الرسام الذي أنهى حياته باطلاقة مجنونة من مسدس أحمق . أتابع قراءة الرسائل وأتحسس بيدي جرح الفن الغائر الذي كان ينزف منه فنسنت ، هذا الفنان الذي اعتبرته دائماً بطلاً رومانتيكياً رغم التراجيديا التي أحاطت بحياته ، فنسنت الذي كان ولايزال فناني المفضل وبطلي الأول في الرسم .
يبدأ الكتاب بالرسائل التي كتبها في العشرين من عمره والتي كان يبعثها من مدينة لاهاي الى أخيه في بروكسل ، حيث يبدؤها بعبارة ( الغالي تَيّو ) . كان يشرح له كل شيء في الرسائل ويشير الى تفاصيل فنية ومسائل تتعلق بالجمال ونظرته الى الحياة وعدم فهم الآخرين له وبحثه الدائم عن ايحاءات وتعبيرات وتقنيات جديدة في الفن . ومن خلال هذه الرسائل كان فنسنت يشركه في اللوحات التي يرسمها ويحاول أن يعرضها عليه من خلال كتاباته هذه . وبما أنه كان من الصعوبة أن يصور أعماله في ذلك الوقت لندرة وصعوبة التصوير ، لذلك لجأ فنسنت الى حل جمالي آخر أعطى من خلاله لتلك الرسائل قوة وتأثيراً مدهشاً وأصبحث وثائق مهمة جداً لتصوير سير عمله وكيفية البدء برسم مواضيعه واختيارها ، وقد اعتبرها الكثير من مؤرخي الفن أعظم واهم وأجمل رسائل كتبها رسام على مرّ التاريخ . كان فنسنت يرسم داخل الرسائل مصغرات للوحاته التي يبدأ برسمها ليعرضها على شقيقه الذي يحبه كثيراً ، لهذا نرى أنه يعيد رسم لوحاته على شكل تخطيطات داخل الرسائل والتي يشير من خلالها الى أعماله المنشغل بها في تلك اللحظات ، وبهذه الطريقة كان الشقيقان يتواصلان حول أعماله الجديدة ، وكان تيو بحكم ذائقته الفنية وحساسيته في اكتشاف الأعمال المهمة ، كمن يحمل الفانوس ليضيء الطريق لأخيه الكبير فنسنت ، وقد عمل الكثير كي يمهد له الطريق للوصول الى باريس ويعرفه فيما بعد على الرسامين الانطباعيين ، وهناك تعلق بغوغان وسواه وقبلهم بصديقه الشاب المجدد في الفن أميل برنارد .
هذا الكتاب يعتبر برأيي الشخصي كنز جمالي ومعرفي وفني حيث نرى رسامنا المعذب يرسم بالكلمات رسائلة التي أرسلها الى أخيه تيّو وأخته فليامين وصديقيه الرسامين غوغان وبرنارد وآخرين طبعاً .
رسائل فنسنت فان كوخ
نشر في: 13 مارس, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)