عبدالرزاق الحسني الشروع في الحركات: كان الوالي محمد نجيب باشا قد توجه الى المسيب لتأديب قبائل المعدان الثائرة في وجه الدولة، واتخذ من هذه القرية مقرا لقيادته لما كان ينتوي القيام به ضد الكربلائيين، فلما انقطع رجاؤه في تسوية مشكلة اليارامز في كربلاء بالحسنى، هيأ قوة كبيرة لتسخير هذه المدينة واستئصال شأفة المتمردين فهيا،
وكان قوام هذه القوة ثلاث كتائب من المشاة وكتيبة واحدة من جنود السباه الحكومية يعززها عشرون مدفعا وبعض المقاتلين الاكراد الذين استدعاهم من كردستان بقيادة احمد باشا بابان لهذا الغرض، مضافا الى زمر من القبائل العربية العاملة في القوات الحكومية من العبيد وغيرهم وقد عقد لواء هذه الحملة للفريق مصطفى باشا وفي رواية لكرد محمد باشا ووجهها الى كربلاء في الثالث عشر من شهر ذي القعدة سنة 1258هـ - 19 كانون الاول سنة 1842م فضربت القوة حصارا واسعا على المدينة المزدحمة بالزوار والاغراب والمجاورين، واحاطت بسورها العظيم احاطة السوار بالمعصم، وضيقت على السكان ضيقا افقدهم رشدهم وصوابهم حتى اضطرهم لشرب مياه الابار المجة واللجوء الى التفتير والتقنين في توزيع الارزاق، وقد استمرت الحال على هذا المنوال ثلاثة وعشرين يوما، فلما شعر الناس بوطأة الحصار وفشلت الوساطات لاصلاح ذات البين، اجتمع الزعماء والرؤساء واخذوا يتداولون الوضع فيما بينهم من جوانبه المختلفة، وعلى الرغم من الانقسامات العقائدية التي كانت تفتك بين صفوف الناس يومئذ ولاسيما رجال الدين وحملة الوية الشريعة على نحو ماذكرناه من قبل، فقد استقر الرأي على ضرورة عرض طاعة المدينة وخضوعها للسلطة الحكومية، فلما فوتح قائد الحملة بهذه الرغبة رفض قبول الاستسلام الا باصعب الشروط واشدها قسوة وارهاقا، ومن ذلك تسليم عائلات بعض الزعماء الى قيادة الجيش لتكون بمثابة رهائن لتنفيذ شروط المهادنة ولكن الاهلين رفضوا هذه الشروط القاسية بكل اباء وشمم خشية ان تهان اعراضهم ويدنس شرفهم، ولاسيما وان الكثرة فيهم من الاسر المحافظة وعلى الرغم من ن هؤلاء كانوا يعلمون علم اليقين باستحالة التغلب على قوات الحكومة التي كانت تفوق قواتهم عدة وعددا، فقد ارتأوا عقد اجتماع موسم في الروضة الحسينية ضم رؤساء كربلاء وكبار مجتهديها وسراتها واصحاب الكلمة النافذة فيها، وقد تقرر في هذا الاجتماع اجلاء العائلات عن المدينة من ابوابها الجانبية الى مضارب القبائل العربية المجاورة لتكون في حمايتها، كما تقرر الاستنجاد برؤساء آل فتلة وبني حسن واليسار وآل زغبة وغيرهم من رؤساء القبائل القريبة والبعيدة لانقاذهم مما هم فيه من ضيق وامتهان، والاسهام في الدفاع عن اموالهم واعراضهم وانفسهم حتى يقضي الله امرا كان مفعولا، وقد لبى الرؤساء المجاورون نداء الواجب، والكريم يلبي- فارسلوا ما تمكنوا من ارساله من المقاتلين والفرسان وقد قدر البعض عددهم بالفين وبالغ البعض الاخر فرفع العدد الى ثلاثة الاف، ولكن انى للقوات الاهلية ان تقف في وجه الجيوش النظامية المعززة باحدث انواع البنادق والمجهزة بمختلف اساليب الدمار؟. وعلى كل فان قائد الحملة لم يتوان عن التشبث بالوسائل المختلفة لانقاذ الموقف وفض المشكل بالتي هي احسن فلما فشلت الوساطات والشفاعات، قرر ان يضرب ضربته الاخيرة فامر اولا بقطع اشجار البساتين المحيطة بالمدينة ليكون الطريق فسيحا امام الجند بحيث لم تبق نخلة واحدة بينهم وبين السور، وكان المقاتلون من الاهليين يضربون الجنود الذي ضربوا مخيماتهم من السهل، وهم معتصمون فوق السور خلال هذه الفترة فيرد الجنود عليهم بالمثل، ثم اوعز الى قائد المدفعية ان يشرع في هدم السور المحيط بالمدينة مهما كلفه الامر ليتمكن الجنود من الدخول اليها بيسر ويقضي على المقاومة وعلى القبائل التي نفرت للمساعدة. وفي فجر اليوم الحادي عشر من شهر ذي الحجة سنة 1258 للهجرة الثلث عشر من شهر كانون الثاني سنة 1843 للميلاد، اخذت المدافع في اطلاق قنابرها على السور بشدة فاستطاعت ان تفتح فيه ثغرة واسعة من ناحية باب النجف واذا بفريق من الجند يتسلق السور ويمشي فوقه بسلاحه، وفريق آخر يدخل من الثغرة ويتغلغل في اطراف السور، وكان الفريقان يطلقان النار على كل من يلقيانه، فهال ذلك امر المدافعين واتقدت جذوة المقاومة في نفوس الاهلين واشتعلت نيران الحماسة في صفوفهم على اختلاف طبقاتهم وتباين نزعاتهم على الرغم من الخلافات المزمنة التي كانت متأصلة في نفوسهم فنزلوا الى ميدان القتال متحدين متضامنين. وكانت في كربلاء حامية ايرانية من الجنود محدودة العدد كان الشاه محمد القاجاري قد اتفق مع حكومة بغداد على ابقائها في هذه المدينة المقدسة لحراسة القنصلية الايرانية ورعاية الجالية الايرانية الكبيرة القاطنة فيها مثلها في ذلك مثل الزورق البخاري الحربي الذي كان يرابط امام القنصلية البريطانية القائمة على سيف دجلة الايمن في بغداد مع حرس السباه الهندي الذي كان يتولى، مع الزورق المذكور حراسة القنصلية المذكورة منذ اواخر القرن التاسع عشر، فلما شعرت هذه القوة الاجنبية بالظلم الذي يحيق بالمدينة، انضمت الى قوات الكربلائيين، والتحمت الجيوش الحكومية النظامية مع القوات الشعبية في معركة ضارية استمرت وقتا طويلا فتغلبت القوات النظامية على قوات الاهلين في نهاية ا
تسخير كربلاء واستباحتها وحادثة محمد نجيب باشا
نشر في: 20 ديسمبر, 2009: 04:33 م