TOP

جريدة المدى > عام > ليلة المطر

ليلة المطر

نشر في: 17 مارس, 2015: 12:01 ص

هذا هو الكوخ،صوفيٌّ ملتمٌّ في الخلوة ينتظر برقاًكوخ من سعفٍ وعيدانِ رمانوحصرانَ وطينداخله عالم لا علاقة له بهذا العالم.
هو مظّللٌ بقباب النخلِ الخضر،نافوراتِ الآلهةعلى تراب الكوكب..
تحت تلك القباب العاليات،قباب اخرى من النارنجمرسومةٌ في الفضاء ظفائ

هذا هو الكوخ،
صوفيٌّ ملتمٌّ في الخلوة ينتظر برقاً
كوخ من سعفٍ وعيدانِ رمان
وحصرانَ وطين
داخله عالم لا علاقة له بهذا العالم.

هو مظّللٌ بقباب النخلِ الخضر،
نافوراتِ الآلهة
على تراب الكوكب..

تحت تلك القباب العاليات،
قباب اخرى من النارنج
مرسومةٌ في الفضاء ظفائرَ وحشية،
قصصاً متشابكةً
يضيع بينها المعنى.
حوله مكمِّلات العزلة،
حرسُ العشقِ الغافي،
العلّيق الازليُّ الصامتُ ذو الاسرار.
تجالسه، تعيش معه،
سلالات نباتٍ من نوع الغجر
لا تعرف اصولَ عشائرها
ولا يعرف احدٌ ما تريد.

وانا في هذا الكوخ
في هذا اليوم،
في هذا الغيمِ، اكتب.

واجهتُ السرّ المستغلَق، لن اكشفه.
توقفت عن متابعة المعنى
وارتضيتُ مناورةَ الاسرار.

صرتُ اقرأ الدنيا الخضراء
اقلّبُ وحدي صُوَرَ الحكمة
والمخلوقَ الصغيرَ الطائر
وتلك الزاحفةَ قرب الجذر
وجماعاتِ الصريرِ العالي

الغيمُ يتجمع وانا في الكوخ
اقرأ مالا يُقرأ
وانا أُخرِجُ راسي من بين خصاص الكوخ،
نثر البرق على راسي
مسكوكاتٍ ذهبية،
سمعتُ
صوتَ خزينته يتشقّق
وحُلياً تنهال.

ما دام الغيم يتجمع،
ورشّاتُ ذهبٍ تاتي،
فانا باقٍ
وساقضي الليلةَ في البستان.
الخَلْقُ الطاهرُ في تلك الدنيا
عرفوني
عرفوا من زمن نزواتي
عرفوني مخبولاً يصطاد معاني
وحكيما مضطربَ الحكمة:

هو يبحث عن شيء، لا يعرفونه
ولا هو يعرفه
لكنه يبحث عن شيء،
ويرونه يكتب عن شيء اخر.

مبتهجين جاءوا بخشبٍ لنار الليل
قالوا النار الليلةَ للضيف
ودجاجتا ماءٍ من صيد العصر..

انا، بانتظار المطر
بانتظار اوركسترا الزمن المختلف
موسيقى الكون الاخر
الذي نحس ولا نرى اشاراتهِ .

وحدي في الكوخ، صحتُ احب العزلة،
غابوا عني.
وحدي في الكوخ، لا أحد.

قبل ان ينتصف الليل احسستُ
بالريح التي عادةً تسبق المواكب
قلت لاوراقي، غريبةٌ انتِ
اذهبي حيث شئت،
الكون مِلْكُ الريح والسحاب
والكون مِلْكي. البرق سلّمني مفاتيحَهُ
وروحي توزعت في الشرفات الخضر
ذوات الشرائط السود
تستقبل ايقاعاتِ البلور.
اشذاء العشق الابدي،
عطرَ تلك التي غابت، حاضرٌ فيها.
اشذاءَ اخرى تاتي تمنح النشوة
وتحملني على السفر في جميع الاتجاهات

وحدي في الكوخ،
بقيةُ حضارة ارتحلت.
اتطلع في الدنيا قبلي. في الدنيا بعدي تاتي
ارى في الاضواء المتخاطفة ممالكَ غائبةً في التاريخ:
حسانَها الفاتنات، ابراجَ مدائنها
والنيرانُ
مشاعلُ ناس آتين..

الارواح الغائبة كلها شبت مع البرق
تحمل اسرارها
استحالت نقاطَ نار والتماعاتِ حرائق،
حرائقَ بعيدةٍ امتلأ بها البستان.
نيران التاريخ المدفون، انفلتت في الريح
صارت في الكون شظايا فضية ورسوما نارية
ورماحاً ساطعة في شجر الليل،
قلت احترقت اكواخُ القرية!

قطعت كلامي: انفجارُ أتون ضوئي
انذارُ العودة، كل الارواح وكل النيران،
تعود تعود، إلى المخابئ القديمة الاولى.
اختفى كل شيء. لا حفيفَ، لا هوام،
لا صوتَ لقدمٍ أو صرير
الكون كل الكون، تحت سطوة المطر،
سلطان البرق الناري، يلقي نظرةً ويعود..

بدأ النثُّ دقائقَ، مهذبٌ هو
لا يريد اقتحاماً، ثم اشتد!
لكل شجرة ايقاعها:
سعفُ النخيل، ورقُ البرتقال
غصون العنب السمر التي نسيت اوراقَها
واشجار الرمان العريانةُ كالتماثيل تغتسل.

وللدغل الارضي ايقاعاتُه السرية
يهمسها بخشوعٍ، أو بخوف:
صمتٌ ومطر. مطرٌ فقط. مطرٌ وانفجار!
الكوخ يتلقى الاصوات وهو خاشع
بدا مثل جوف فيه ذبالةُ ضوء
وحياةٌ وحيدة ساكنة كالدودة،
هي انا... حتى توقف المطر.

لم يتوقف، استمرت القطرات العالقة بالورق
تتساقط بقايا ترانيمَ
المقطع الاول يعود خاتمة للقصيدة!

انتهى كل شيء، البستان امتلأ تماما
بالصمت، صمتٍ كبيرٍ اسود.
وانا هيأةٌ ساكنة
ظلٌّ وحيدٌ منسي.
على كفي، على جبهتي وعلى الحصير
المفروش فوق القش،
تسللت، اخترقت السقف
وسقطت،
حفنة فضية باردة
من بقايا المطر

من لم يكن حاضراً، لا يدري ابداً
بما حدَثَ في الليل
معا بدآ. الصحوُ والفجر .
وقفتُ ارى:
عالم اخضرٌ مغسول
علقت عليه اللالئ
الصخرة المنكفئة عند القنطرة
كتلةُ صمت باقية مكانَها
انسللتُ بهدوء أنا والفجر.

البستان بعيدٌ عني الان
والكوخُ هناك
تفصل بيننا سنون
واختفت عني وعن العالم ليلةُ المطر..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram