اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > هكذا تعاملتُ إخراجياً مع مسرحية ..(حكاية الرجل الذي صار كلباً)

هكذا تعاملتُ إخراجياً مع مسرحية ..(حكاية الرجل الذي صار كلباً)

نشر في: 17 مارس, 2015: 12:01 ص

التجريب في مسرحيات ( أوزفالدو دراجون) ما يزال في أوجه منذ ما يقرب من أكثر من النصف قرن على كتاباته لها. وما الحكايات الثلاث الشهيرة له بعنواناتها الأكثر شهرة، والموسومة بـ ( حكاية الرجل الذي صار كلبا)، ( حكاية مرض أسنان )، و ( حكاية صديقنا بانجيتو )

التجريب في مسرحيات ( أوزفالدو دراجون) ما يزال في أوجه منذ ما يقرب من أكثر من النصف قرن على كتاباته لها. وما الحكايات الثلاث الشهيرة له بعنواناتها الأكثر شهرة، والموسومة بـ ( حكاية الرجل الذي صار كلبا)، ( حكاية مرض أسنان )، و ( حكاية صديقنا بانجيتو ) والتي ترجمها إلى العربية المخرج قاسم محمد، وقدمها تباعا على خشبة فرقة المسرح الفني الحديث في سبعينات القرن الماضي، والتي أثارت جدلا كبيرا في حينها بين أوساط المثقفين والمسرحيين وبقية من شاهدها في ستينات القرن الماضي. وهذا يشكل الدليل القاطع على أهميتها وصلاحيتها في كل زمان ومكان، لكونها تحمل أسباب نجاحها بسبب الهم الإنساني الذي تحمله في أفكارها وبين ثنايا حكايتها. وتبدأ إثارتها من عنوانها لما يحمله من إثارة للسامع والمتلقي معا، فمن تفسير عنوانها ( حكاية الرجل الذي صار كلبا ) وما يثيره من أسئلة في كيف يتحول الإنسان إلى كلب ، وهل يمكن ذلك؟ أو كيف يمكن ذلك؟ الأمر إذن يحتم على الجمهور أن يتابعها إلى النهاية. لنتتبع إذن الأسباب الموجبة إلى هذا التحول المستحيل في الحكاية اللامعقول والخارجة عن المألوف.
من خلال التفسير المتأني لحكايتها التي تقول أن رجلا، متزوجا ، وله عائلة وأطفال، تضيق بهم الدنيا، فلا يجدون مايسد رمقهم من الأكل أو ما يسترهم من ملبس أو يؤويهم من سكن. ومع استحالة الحصول على الحياة الرغيدة، وهو الأمر الذي يدفعه لأن يبحث عن عمل مهما كان نوع ذلك العمل. فتسوقه قدماه والأقدار للبحث في العديد من الأماكن عن عمل، فلا يجد سوى عمل واحد في مصنع مات كلب حراسته. وحينها يعرض عليه رب العمل أن يقوم بمهام الكلب في العمل الذي كان يؤديه، وهو في محنة الحصول على لقمة العيش، فيوافق بلا تردد ومن دون أيما اعتراض. ومع مرور الوقت، لا يجد منفذا للخلاص من الوقوف على أربعة قوائم. فتعاني زوجته من ذلك للحد الذي يسودها اعتقاد عندما تشعر كونها ( حاملا ) بأنها ستلد كلبا. وهذه قمة المأساة التي يعيشها ذلك الرجل وزوجته معا.
وفي التأليف، من خلال اختيار الكلب للتحول من حالة الأنسنة إلى الحيوان، ذلك أن الكلب يحمل الصفات الدونية في تصورنا والتي تعطينا حق وصم من لا نرغب ببعض صفاته الإنسانية بـ ( الكلب ) أي أننا نستخدم التسمية في الشتيمة. لكن ومن صفات الكلب التي تدعو إلى الفخر والاعتزاز، في كون ( الكلب ) يتصف بالوفاء والألفة إذا ما عاملته بلطف وعناية. وعليه فان اختيار الكلب وظيفة تعرض للعمل ليست خالية من المعاني السامية. هكذا أخذنا النقاش ونحن نعمل بالتجسيد، مثلما أخذنا التأويل بسبر أغوارها والدخول في أسرارها. وكيف كنا من خلال العمل على التجسيد نقترح أسمى المعاني التي تبقي الحكاية في حالة الجدية والسمو والتي تبعد النص عن أخذ المعاني المتدنية، التي من شأنها أن تتناول الجانب الساخر من الحكاية بشكل مبالغ فيه فتقربه من ( من الكوميديا السوقية ) فيضيع الهدف السامي في مذهبنا وفي هدف الكاتب والحكاية. لهذا كنا حريصين على احترام العمل، بدءا من عنوانه وحتى آخر ما يحمله من أفكار وتأويلات. وعليه كان مقترح الإخراج يتعامل تدريجيا مع ما يتطلبه العمل من مكان وزمان وإضاءة وسينوغرافيا ، ومن مميزات هذا النص انه يحتاج إلى ممثلين يحملون الوعي كي لا تذهب بهم أفكاره إلى التهريج فيضيع المعنى السامي للحكاية، وفي ضوء ذلك كان اختياري للممثلين بدقة صاحبتها التغييرات أكثر من مرة حتى استقرت تشكيلته بالممثلين الذين أسعدت بالعمل معهم وهم ( إيمان ذياب، طه المشهداني، نظير جواد، فالح كريم ) الذين قدموا الأفكار بثقة وصدق وأمانة ارتقت بالأفكار التي حققت التفاعل مع المتلقي وجعلته يثق بصدق الطرح للأفكار التي لا تقدم الحياة كما هي بل تقدمها كبديل وهي مشحونة بالأمل الساعي من تقديمها على أمل وجوبية ما يجب ان تكون عليه الحياة.
ولا يفوتنا أن نشير الى أن مسرحية (حكاية الرجل الذي صار كلبا ) قد قدمت لأول مرة، في بداية سبعينات القرن الماضي 1971، بإخراج قاسم محمد، وتمثيل نخبة من أهم أعضاء فرقة المسرح الفني الحديث وهم: ناهدة الرماح، صلاح القصب، روميو يوسف، خليل عبد القادر.
ولأن التجريب في هذه المسرحية يستدعي إلى تلاحم الفريق عمل، كانت المقترحات التي صاحبت التنفيد تنطلق من التمرين المسؤول من كل العاملين واحترام مقترحاتهم الساعية إلى نجاح المهمة في تقديم عمل مسرحي يليق بالأسماء التي حققته بنجاح. ولا يفوتنا أن نقول من أن المسرحية كانت تبحث في كل حقائقها عن الواقعية من خارج المألوف، التي جعلت من مقترحاتنا كفريق عمل أن نؤسس مستلزمات العرض، في اعتماد المداخل العكسية في المعالجة، لقد كنا نعالج المضحك بالمبكي والتراجيديا بالكوميديا في الكثير من الأحيان، والعكس صحيح أيضا. وهكذا انطلقنا من أملنا بأن نحقق عرضا يثير النقاش، ويكون نوعا من التجريب يساعدنا على تحقيق المتعة والفائدة معا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram