TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "انبطاح" نابليون

"انبطاح" نابليون

نشر في: 16 مارس, 2015: 09:01 م

في ملحمته "الحرب والسلام" يخبرنا تولستوي أن نابليون كان يتردد في اصدار بيان واضح ومحدد لما يجري لقواته في روسيا، وتنتهي الرواية والامبراطور لم يعلن موقفا محددا مما يجري، اليوم تعود سيرة القائد الفرنسي الى الواجهة بعد ان تخلت بلجيكا عن صك نقود لتخليد ذكرى معركة واترلو التي شهدت هزيمة مدوية لنابليون بونابرت على يد القوات البريطانية وحلفائهم من الروس والألمان والهولنديين، لان فرنسا رأت ان الحديث عن هزيمة نابليون سينكأ الجراح ويباعد بين الأوروبيين ويتنكر لوظيفة العملة الأوروبية الموحدة المفترض بها أن تجمع لا أن تفرق.
ذات يوم يسأل احد الضباط نابليون وهو يتمشى في منفاه: لماذا خسرت الحرب؟ فقال لعدة اسباب: أولها المكابرة، وثانيها المكابرة، وأما افضعها فهي الاستهانة بالعدو.
منذ اشهر ونحن نعيش اجواء هستيرية ابطالها نواب وسياسيون يخرجون علينا كل يوم ليشتموا اميركا، ويحذرونها من ان تدس انفها في الشأن العراقي..حتى اننا نسينا استجواب صالح المطلك، ولم يعد احد يسأل عن اموال النازحين التي تحولت الى بنوك دول الجوار.. كل شيء ياسادة يهون فنحن نعيش في ظل معركة كسر العظم مع المستر اوباما، ونهتف في الساحات أننا لا نحتاج إلى أمريكا ولا إلى طائراتها، ونردد صباح كل يوم وراء عباس البياتي بان الحكومة العراقية ترفض وصاية أمريكا ولن تسمح لها بان تمارس دور الأب.
في ضوء تلك الهتافات النارية، كنت اقول لعدد من الزملاء في الصحيفة، نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما: الأول أن هؤلاء السياسيين يصدقون ما يقولون فعلا ومقتنعون أن أمريكا لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما جرى ويجري في العراق، أو أنهم يمارسون عملية كذب منظمة وممنهجة، تؤمن بان تكرار الأكاذيب بدأب وإصرار ومن دون توقف سيجعل الناس يصدقونها في النهاية.
في الحرب والسلام يتأمل تولستوي في سلوك بعض اصحاب القرار، ونراه في واحدة من صفحات الرواية، ينبهنا الى ان الجميع يريد ان يظهر بمظهر المصلح تحت شعارات من عينة، مستقبل البلاد والحرية، فيما هم في الواقع يخططون لخراب اكبر.
عندما يعتقد البعض انه يجب ان يبقى صاحب الصوت الاعلى، ويتسابق على الفضائيات، يرفع شعار"سيادة العراق خط أحمر"، هل المطلوب منا أن نصفق له، أم نذكّره أن المعركة تحتاج الى تضافر جميع الجهود من اجل القضاء على عصابات داعش؟ أليس مضحكاً ومبكياً في آنٍ واحدٍ حين نقرأ تصريح قائد عمليات صلاح الدين الذي اكد فيه:" أن مشاركة التحالف الدولي 'ضرورية' في عملية استعادة مدينة تكريت، لافتا الى أن القوات الأمنية تتقدم بشكل بطيء في مواجهة القنص والعبوات الناسفة التي زرعها تنظيم داعش، وأن التقنية العالية للطائرات والأسلحة لدى التحالف تجعل أي معالجة من قبلهم ضرورية، مؤكدا أنه طلب منذ بداية العملية عبر وزارة الدفاع العراقية، توفير إسناد جوي من التحالف إلا أن ذلك لم يتم، عازيا ذلك لجانب سياسي وليس عسكريا".
الجميع أعداء ومتآمرون إلا أنت وجماعتك، لذلك يراد منا ان نغرق بسيناريوهات المؤامرات التي لا يظهر لها دليل ولا برهان.
لا تبتئسوا فقد حذا البريطانيون حذو الامريكان فقروا ان يسرقوا منا كل شيء، واخرها ان الخارجية البريطانية قالت للبلجيكيين "لماذا هذا الانبطاح امام رغبات فرنسا"؟
هذا ياسادة اعتداء على السيادة، فنحن اول من اكتشف مصطلح " الانبطاح " واول شعب يراد منه ان يظل "منبطحا" لرغبات ومصالح الساسة "الاكارم" ممن يمارسون السياسة بالصراخ فقط لا غير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. هلال

    في اعتقادي ان النجاح في الحرب ضد داعش لن ينجح مالم تتخذ الحكومة العراقية اجراءات جادة لاعادة الثقة بينها وبين الشعب من خلال كشف الفاسدين ومحاسبتهم والابتعاد ومنع التهريج من قبل بعض السياسيين فالهوة النفسية كما اعتقد عميقة بين الحاكمين والحكام وما سكوت الن

  2. عراقي

    الاخ علي حسين المحترم عن أية سيادة يتحدث سياسيوا العراق ،السياده تعريفها من الناحية الاستراتيجيه هي : سيطرة الدوله ضمن حدودها الدوليه المقررة قانونا على ( ارضها ،سمائها،مياهها .الدوليه ). من هنا ١. العراق فاقد السياده عن حوالي ٤٠ بالمئه من أراضيه .

  3. هلال

    في اعتقادي ان النجاح في الحرب ضد داعش لن ينجح مالم تتخذ الحكومة العراقية اجراءات جادة لاعادة الثقة بينها وبين الشعب من خلال كشف الفاسدين ومحاسبتهم والابتعاد ومنع التهريج من قبل بعض السياسيين فالهوة النفسية كما اعتقد عميقة بين الحاكمين والحكام وما سكوت الن

  4. عراقي

    الاخ علي حسين المحترم عن أية سيادة يتحدث سياسيوا العراق ،السياده تعريفها من الناحية الاستراتيجيه هي : سيطرة الدوله ضمن حدودها الدوليه المقررة قانونا على ( ارضها ،سمائها،مياهها .الدوليه ). من هنا ١. العراق فاقد السياده عن حوالي ٤٠ بالمئه من أراضيه .

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram