TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > وداعاً عفيفة

وداعاً عفيفة

نشر في: 22 أكتوبر, 2012: 07:40 م

لم اعهد الشاعر مكي الربيعي انه بكى يوما خلال صداقتي القريبة والعميقة معه عندما كنا بالعراق. فارقته دهرا طويلا الى ان سمعت، في منتصف التسعينيات، انه بالأردن، فطرت لالتقية. اكتشف اني صرت اغني. لاح بعينيه سؤال استغراب. أجبته ان الغناء أفضل حيلة دفاعية بوجه الغربة، يا صديقي. سألني ان كنت احفظ أغنية "حركت الروح لمن فاركتهم" فغنيتها له. في تلك اللحظة سالت دموعه. وكانت تلك هي المرة الأولى التي ارى فيها دموعه تسيل. قال لي انه صار يعتبرها نشيد المنفيين العراقيين ويسمعها كلما اختلى بنفسه.

واليوم اذ تلقيت نبأ وفاة المطربة عفيفة اسكندر صاحبة الأغنية التي ابكت صديقي، بكيت لوحدي. بكاء اقرب للصمت منه للنحيب. ومع أول دمعة تذكرت دموع مكي. وان كان مارتن لوثر كنج قد قال "اننا في النهاية لا نتذكر كلمات الأعداء بل صمت الأصدقاء"، فاني اكتشفت ان دموع الأصدقاء أكثر حضورا في الذاكرة من صمتهم.

عام 2012 حصد ارواح الكثير من المغنين والفنانين والشعراء العراقيين المهمين، فياله من عام مشؤوم. وما أحقر الموت.

اتذكر لعفيفة حفلة بمناسبة عيد العمال في 1 أيار. كانت مرحة وجريئة وهي تضمن مقاطع من اغنيات تراثية في اغنيتها كي تفرح الناس اكثر. وكانت قلوب المحتفلين تصفق قبل اياديهم حين رددت:

جينه من بغداد جينه .. والنذر والله بدينه

نندب اللي بالمدينة .. يرجع الاحباب لينه

ارد  ابچي بالعباس والطم بالحسين

ما صابني من هواي بس دمعة العين

عفيفة اسكندر المسيحية لم تقصد الفاتيكان او البابا بنذورها بل قصدت كربلاء. ولماذا؟ لتبكي عند العباس وتلطم عند الحسين!

هل أرادت عفيفة ان تجامل المسلمين بهذه الاغنية؟ قطعا لا. انها بعفويتها وحسها الفني تدرك ان العباس والحسين في عراقنا ليسا رمزين دينيين وانما شعبيين. الحس الشعبي يصنعه الخيال الشعبي وليس الدين. وذلك يمنحه جرعة حصانة عالية ضد الطائفية والتعصب.

كانت عفيفة تغني والجمهور العراقي بكل أطيافه يتفاعل معها بمحبة. وأنا استمع لعفيفة تذكرت عرسا صابئيا حضرته ذات مرة. كان العريس يمشي صوب عروسه والزفافة يهوسون "صلوا على محمد". وفي العرس ذاته كانت المندائيات ينشدن بطرب:

كلچن يالحديثات للكاظم امشن

يم سيد السادات حلّن شعرچن

وداعا يا عفيفة التي رحلت عنا بعد صمت طويل. ما يجعل موتك موجعا اكثر ان دعاة الإسلام السياسي والطائفي قتلوا حس الناس التلقائي فما عاد يمكن لك، وانت المسيحية والمطربة ان تفكري، ولو بالخيال، ان تبكي في ضريح العباس او تلطمي في صحن أخيه الحسين. وما عاد من حق الصابئيات ان يذهبن للكاظمية لينثرن شعرهن عند باب الحوائج. 

لقد متنا قبل موتك حتى وان كنا نتنفس. ليرحمك الرب ويرحمنا يا إيقونة من زمن المحبة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بغداد قد تتراجع عن قرار سحب القوات الأمريكية: عربون الصلح مع ترامب!

دعوات الإصلاح والتغيير تتصاعد.. هل تبدأ بغداد رحلة التعافي؟

10 آلاف عقد في الإقليم يواجهون "مصيراً مجهولاً"

فورين بوليسي: الإحصاء كشف عن ثروة أيدي عاملة في العراق

الوزارة توضح سبب زيادة انقطاع التيار

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: تذكروا أنكم بشرٌ

العمود الثامن: محاكم تفتيش نقابة المحاميين

العمود الثامن: كلمات إماراتية واطلالة عراقية

" البعث" بدِمشق وبَغْداد.. غساسنة ومناذرة

العمود الثامن: السخرية على الطريقة العراقية

العمود الثامن: محبة المسيحيين

 علي حسين قبل أن تصدر القرارات القرقوشية لبعض المحافظات بمنع الاحتفال بأعياد الميلاد لأنها "حرامس"، وكان اخرها القرار الثوري لمجلس محافظة كربلاء الذي حذر فيه وتوعد كل من تسول له نفسه وضع شجرة...
علي حسين

قناطر: العربيُّ من الأحواز: يعبرُ ولا يسافر

طالب عبد العزيز يتصل بي صديقي العربي الذي يسكن مدينة الفلاحية بإقليم الاحواز قائلاً:" باچر أعبر" فأتنبه الى أنه لم يقل:" أسافر، أو أحصل على تأشيرة سفر، بل لم يتحدث عن حقيبة ومتاع، أو...
طالب عبد العزيز

موقف الحزب الشيوعي العراقي من المنظومة السلطوية في العراق والتغيير المطلوب..

د.كاظم المقدادي للحزب الشيوعي العراقي موقفه المُعلن والمتميز من مطلب التغيير الجذري للمنظومة السلطوية في العراق.وهو موقف مسؤول ومبدأي، ومدروس جيداً، ومتابع من قيادته بإهتمام ومثابرة..تأريخياً، يُعتبر الحزب من أوائل المنادين بالتغيير الجذري.وقد أقر...
د. كاظم المقدادي

عن الأدمغة العربية المهاجرة

عبد الكريم البليخ يُظهر التنقل بين الدول العربية ودول العالم الأخرى حقيقة مؤلمة تكشفها المشاهد اليومية. أعداد كبيرة من المثقفين وأصحاب العقول المتميزة في المنطقة العربية لم يعد لديهم مكان في أوطانهم أو في...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram