اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سنغافورة ام طهران؟

سنغافورة ام طهران؟

نشر في: 17 مارس, 2015: 09:01 م

أعتذر لجميع قراء هذه الزاوية، لأنني دائما ما اعيد واكرر الحديث عن تجارب الامم، وما تفرضه هذه التجارب من المقارنات، وما تمنحه لأصحابها من أحقية في الشهادة على التاريخ، وكلما حدث حادث ذو طبيعة تاريخية، يعود الكاتب الى قراءاته او مشاهداته.
لماذا الحديث عن سنغافورة، وفي ذاكرتنا تتكدس تجارب قاسية مر بها بلد مثل العراق؟ لماذا العودة الى دروس التاريخ، والحاضر أمامنا يراوح مكانه والمستقبل مجهول الملامح؟.
اليوم أقرأ في الاخبار أن باني سنغافورة الحديثة لي كوان يو، يعاني من تدهور في صحته، وفي واحد من المواقف المؤثرة، شاهد العالمُ معظم مواطني هذه البلاد وهم يصلون من اجل أن يتمتع زعيمهم التاريخي بالصحة، فيما قالت شابة والدموع في عينيها انها " تخشى غياب الرجل العظيم الذي يشكل وجوده ضمانة لكل سكان هذه البلاد ".
في مذكراته التي اسماها "قصة سنغافورة" يروي "لي كوان يو" كيف بدأت مسيرة سنغافورة، جزيرة كانت على هامش التاريخ ولم يكن فيه سوى المستنقعات والفقر واقتصاده يعتمد على ايجار قاعدة عسكرية للبريطانيين. كان لي كوان في مقتبل حياته يحلم ببناء وطن للناس وليس له، وحين أتت الفرصة بنى المصانع وأمر الناس بالعمل لا بالتصفيق، أغلق السجون وفتح المدارس، وطبّق العدالة لا حكم دولة القانون، فأقام في آسيا نموذجاً مناقضاً لجمهوريات الاستبداد والخوف. يقول لي كوان: "لقد أدركت الحكمة الصينية التي تقول: سنة واحدة ضرورية لكي تنمو بذرة قمح، وعشرٌ ضرورية لكي تنمو شجرة، ومائة ضرورية لكي ينمو إنسان. وعملنا على إنتاج مجتمع آمن ومستقر، وركزنا على الثقافة والفنون، فتمكنَّا من تكوين أشخاص قادرين على اختيار مواقعهم ووظائفهم، ومؤمنين بأن الحياة تستحق العناء من أجلهم وأجل أبنائهم".
حكايات لي كوان كثيرة لكن ابلغها كانت عن الزعيم الصيني دينغ شياو الذي جاء في زيارة لهذه الجزيرة الصغيرة ليكتشف بنفسه سر تطورها وبعد أسبوعين قال لمرافقه السنغافوري "لم تكن معي صريحا. لا بد انك تخفي سرا، كل ما في الصين أرخص سعرا من هنا، فلماذا تنجحون انتم ونفشل نحن؟ ما هي الوصفة السحرية التي استخدمتموها " ارتبك مرافقه وقال له: وصفتنا السحرية تتلخص في الثقة بالانسان، حب الحياة، السعي لمعرفة كل شيء، والاهم الايمان بقدرة الانسان على صنع المستحيل.
ولم يكن باني سنغافورة يحب القاء الخطب، أو هتاف الجماهير، لكنه يعشق البناء، بناء المدن وبناء الانسان، وطوال مسيرته السياسية لم يظهر واقفا على منصة ينتظر " الاهازيج "، وبدل ان يعد شعبه بالازدهار، قدم اليهم نموذجا مزدهرا من خلال العمل، يقول لي كوان "وقت المسؤول مثل وقت الناس، قصير فاما ان يمضيه في العمل ورفع شأن البلاد، واما ان يقضيه في القتال حتى مع خياله".
لاوقت للخطب والشعارات وحين يسأله الزعيم الصيني ما هو فضل اليابان عليكم؟، يجيب بابتسامته الهادئة، لا فضل لاحد على هذه الجزيرة الصغيرة سوى سواعد ابنائها وعقولهم وحبهملارضهم وتضحيتهم في سبيل ان ينافسوا بلدا بحجم اليابان ".
والسؤال الآن: لماذا لا يسعى ساستنا إلى قراءة تجارب الشعوب، ولتكن تجربة سنغافورة نموذجاً يطلعون عليه، إذا كانت لديهم فسحة من الوقت الذي يخصصونه للفضائيات وعارك المناصب والغنائم؟ لماذا يصر البعض ان نبقى شعوباً من الدرجة الثانية، لماذا يصر سياسي كبير على تذكيرنا كل يوم انه: "لولا مساندة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكانت داعش قد التهمت معظم العراق"، وماذا عن تضحيات العراقيين يا سيد.. وماذا عن قوافل الشهداء في تكريت والانبار والموصل؟
من منا سيقرأ سيرة لي كوان جيدا ليتعلم أن السياسة هي فن احترام الشعب، لا فن التلاعب بأقدار الناس، وان الحكمة لا تعني أن تذكر ابناء شعبك مرة مرة ومرتين وثلاث وثلاث بانهم لايستطيعون مقارعة عصابات داعش لولا...!.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. ابو سجاد

    للاسف يااستاذ علي مرتا ثانية تعود وتعترف بان هؤلاء عراقيين وسياسيين وليسوا مجاميع مسلحة وعصابات منظمة وتتحكم بهم اجندات لخدمة مصالحها هي وليس خدمة العراق ماالظير لو انت وبعض المثقفين قلدوا السيد لي كوان يو لبناء الوطن ذلك الرجل له عقل وارادة وانتم بماذا ت

  2. كاظم عبود عكله

    ابو حسين فاقد السئ لا يعطيه.. اغسل ايدك من احزاب الأسلام السياسي.

  3. ابو سجاد

    للاسف يااستاذ علي مرتا ثانية تعود وتعترف بان هؤلاء عراقيين وسياسيين وليسوا مجاميع مسلحة وعصابات منظمة وتتحكم بهم اجندات لخدمة مصالحها هي وليس خدمة العراق ماالظير لو انت وبعض المثقفين قلدوا السيد لي كوان يو لبناء الوطن ذلك الرجل له عقل وارادة وانتم بماذا ت

  4. كاظم عبود عكله

    ابو حسين فاقد السئ لا يعطيه.. اغسل ايدك من احزاب الأسلام السياسي.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: الكهوف المظلمة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: 21 عاماً في محبة المدى

 علي حسين إسمحوا لصاحب هذا العمود أن يحتفل مع زملائه بدخول العام الحادي والعشرين لصحيفة (المدى)، وأن يعترف علنًا أنه لم يكن يعرف قواعد اللعبة الديمقراطية جيدًا، ولا يفهم أنظمتها الجديدة التي تشكلت...
علي حسين

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين

الـ (المدى).. رعاية استثنائية للثقافة العراقية

فاضل ثامر عندما بدأت جريدة المدى في الصدور، بعد الاحتلال وتحديدا في 5/8/2003، كنت ضمن كادر محرريها المحدود، حيث اتخذت لها مقراً متواضعاً في شارع فلسطين.. وبقيت أعمل في الجريدة تحت إشراف رئيس تحريرها...
فاضل ثامر

الـ (المدى).. أيقونة الصحافة العراقية

د.قاسم حسين صالح اوجع مفارقة بتاريخ العراقيين هي تلك التي حصلت في التاسع من نيسان 2003،ففيه كانوا قد حلموا بالافراح بنهاية الطغيان، فاذا به يتحول الى بوابة للفواجع والأحزان.فللمرة الأولى في تاريخهم يفرح العراقيون...
د.قاسم حسين صالح
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram