بداية العام الماضي كان هناك اكثر من خطاب لـ" فخامة" نائب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أعلن من خلالها ان الانبار اصبحت مقبرة داعش، أتمنى ان لا يعتبر البعض ان مقالي هذا محاولة لتقليب الدفاتر العتيقة.. لا يا سادة انها مراجعة لما جرى ويجري في رواية الانبار، ربما تتذكرون معي ان الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية السابق والمستشار الامني الحالي عدنان الاسدي كان قد بشرنا في تلك الايام من ان "الارهاب اندحر في العراق وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة ويمكنكم الرجوع الى تصريحه الشهير الذي قال فيه "قضينا على 75% من المخطط الإرهابي"، فيما خرج علينا الفريق رشيد فليح قائد عمليات الانبار انذاك ليؤكد ان "داعش انتحرت في الانبار وايامها معدودات".. فلربما نسي البعض هذه التصريحات، أذكر بها، وانا اقرأ ما كتبه الصحفي الشاب سنان سعدي السبع:
"يوم امس نجونا بأعجوبة من موت محقق بعد ان تمت محاصرتنا من قبل تنظيم داعش بقرية البو ذياب في محافظة الأنبار واستمرت الاشتباكات لاكثر من ساعتين مع سقوط لقذائف الهاون وارسال سيارات مفخخة، كنا في واجب صحفي برفقة وزير الدفاع حول الاطلاع على العمليات العسكرية الجارية في المحافظة، كانت من اسخن الجولات الامنية التي ذهبت بها الى الخطوط الامامية للقتال، ونجونا من الاشتباك بفضل جهد مجموعة من الجنود الشجعان، للاسف بعض وسائل الاعلام تصف الوضع هناك بأنه "گمرة وربيع" بينما الواقع يقول ان اكثر من نصف مدن المحافظة تحت سيطرة التنظيم الارهابي"
هناك رأي للمستر صامويل هانتنغتون صاحب نظرية صدام الحضارات يقول فيه: "الانظمة التي تتخذ من الميكرفونات وسيلة لكسب المعارك، السياسية هي انظمة تعاني من شلل دائم".
أدرك وأعي تماما أن كلامي ربما لايعجب الكثيرين، ولكن اسمحوا لي ان اطلب منكم العودة بالزمن لعام واحد فقط، وتقرأوا رواية الفقاعات عن معركة الانبار، انها مجرد فقاعة وستنتهي، لا حديث يعلو على حديث القائد العام، الا ما جرى ويجري في بلاد الهند فمنذ اسابيع والجميع يحتفل بقائد من نوع اخر، انه المهاتما غاندي وذكرى مئة عام على عودته من المنفى، الرجل النحيل الذي هزم، الجميع بصدق خطاباته، لم يطلب من الناس ان ينضموا لحزبه، ارادهم فقط ان يحبوا بعضهم البعض من دون شعارات وبلا مزايدات سياسية، تخبرنا المؤلفة بحلم غاندي في بناء وطن لجميع ابناء الهند "ليس مهما ان يتولى امر البلاد مسلم او هندوسي او من طائفة المهمشين، المهم والاهم ان يكون هنديا في المقام الاول والأخير".
يعتقد مسؤولونا الأفاضل ان للعراقيين ذاكرة قصيرة، ولهذا نراهم يحاولون ان يقدموا لنا خطابات "لكل زمان ومكان"، و " من كل لون وشكل " وما يقال في الامس يصبح عديم الفائدة اليوم، خطابات مضللة عن الامن والامان والاستقرار.
تتوسع كل يوم دائرة التحليل الاستراتيجي والمحللين للأحداث في رواية الأنبار المفقودة.. فمنهم من بشَّرنا بان العملية العسكرية ستستمر لأيام معدودات فقط، وكان صاحب هذا الرأي وزير الدفاع انذاك سعدون الدليمي، والبعض اخبرنا بان داعش هربت الى سوريا، الحديث هذا بتوقيع "الزعيمة" عالية نصيف.
كنا بلداً تنام على خطابات صاحب الحملة الايمانية، وصرنا بلدان كل منها تهتف باسم اصحاب الوصايا والخطب الرنانة، احزاب ترفع رايات دول الجوار وسياسيون يتحدثون بحناجر استوردوها من الخارج.. مساكين لا يعرفون الفارق بين الوطنية والانتهازية.
الرواية المفقودة في الأنبار
[post-views]
نشر في: 18 مارس, 2015: 06:01 م