TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > في معرضه الأخير بكوبنهاغن..حسين الطائي.. الجمال في الحياة التي لم نجربها بعد

في معرضه الأخير بكوبنهاغن..حسين الطائي.. الجمال في الحياة التي لم نجربها بعد

نشر في: 22 مارس, 2015: 12:01 ص

ما الذي يمكن ان نقوله امام عمل فني هو نفسه عازف عن قول أي شيء سوى تقديم شكله الفني المحض ؟ هل يمكن الانطلاق من عنوانات الاعمال الفنية كموجهات مقبولة للقراءة ، وهي في الحقيقة لا تتطابق مع مضموناتها وتمثيلاتها الواقعية ؟ اذن ماهي فائدة اسماء اللوحات ال

ما الذي يمكن ان نقوله امام عمل فني هو نفسه عازف عن قول أي شيء سوى تقديم شكله الفني المحض ؟
هل يمكن الانطلاق من عنوانات الاعمال الفنية كموجهات مقبولة للقراءة ، وهي في الحقيقة لا تتطابق مع مضموناتها وتمثيلاتها الواقعية ؟
اذن ماهي فائدة اسماء اللوحات الفنية ، اذا كانت الاخيرة لا تشيرنا الى الواقع الذي نعرفه ، وإنما تنزاح بنا الى حياة لم نجربها و لم نتعرف عليها بعد ؟
هل نكتفي بغاية العمل الفني الداخلية ، ام نكتفي بالتأمل الصرف ؟ وماذا عن تلك الاستشعارات الجمالية التي يحركها فينا عمل فني ؟
حقاً انها محنة الكتابة عما نستشعره ولكننا لا نعرفه ، عما يتيح لنا لحظة جمال كغاية بحد ذاتها ، غاية نخشى ان نخرج بها الى عالم المقولات لنجد أنفسنا قد تسببنا بتشويه وجودها الجوهري .
كوبنهاغن مدينتي ، بغداد ، صور اخرى للحياة ، تلك هي من عنوانات معرض الفنان حسين الطائي ، الذي أقيم مؤخراً في كوبنهاغن . وعلى الرغم من ان عنوان اللوحة الاولى هنا ، استعاره الفنان من قصيدة للشاعر الدنماركي دان تورل ( كوبنهاغن مدينتي ) ، ولكن اللوحة لا تقول اي متن ادبي عن كوبنهاغن ، هي فقط تعبير عن انفعال شخصي للفنان استطاع من خلاله استثارة انفعالنا الجمالي ، ليس مهما الموضوع هنا ، كوبنهاغن هي (المشكلة) التي تشكل منها مبتدأ الانفعال ، هي العلة الاولى التي يباشر الفنان محوها على الفور متخلصا من اثار( القصيدة - المدينة) بشكل تام . هي مجرد ذريعة خارجية للسفر الى دواخل الذات واستنطاقها ، وهذه هي مفارقة الموضوع - المضمون في الفن .
كذلك الامر مع اللوحات الاخرى ، تجد الفنان ينطلق من قاعدة واقعية يقررها عنوان العمل ، ثم يحلق بعيدا عنها حتى يتسع دونه الفضاء ، ثم تبدأ هذه القاعدة بالتلاشي ، ليس مهما وجودها من عدمه ، نحن الان داخل اللوحة ، في وسط تلك التوافقات والتنافرات اللونية والخطية وهي تشتبك في الفراغ الذي يتشكل حولها .
في التجريد ، ينحاز الجمال للحس الداخلي ، للعاطفة ، للانفعال ، وأخيرا للخبرة في صناعة شكل بلا زوائد ، شكل نقي محسوب بدقة حدوسات الفنان ونبرته الخاصة .
يترك حسين الطائي بينه وبين السائد ( التجريدي ) مسافة كافية لكي لا يتورط في الموجود المكرر ، هو ينأى بلوحته عن المتعارف عليه ، عن المقبول ، عن الجيد ،، ليدخل في صلب الاستثنائي ، الخاص ، الفريد الذي لا يمكن معايرته مع سواه ، واي جمال يمكن تحققه هنا ، سوى ذلك الجمال الذي يستوجب التامل اكثر ما يستدرج الانطباع الفوري ومن ثم التورط في الحكم إلقيمي .
لا يمكنني ان أقول عن هذا المعرض انه معرض مهم ، لانني سأضطر بعد ذلك الى المقولات الشعرية او التوصيفات الصحفية لكي أبرر ذلك . جل ما يمكنني قوله في هذا المقام ، ان الجمال يتحدث داخل هذه الاعمال بلغة غير مشوشة ، والجمال الذي يقدمه الفن كثيرا ما يصاب بالنفور من اللغة الخارجية ، من قطعياتها وتقريريتها وانحيازها الإجباري .
على الرغم من مصادفتنا لتشخيصات او اثار تشخيصية في نسيج العمل ، ولكنها هنا ليست بذات قيمة معنوية امام الخطوط التي شكلتها ، والالوان التي حاولت ترسيم حدودها . اللون والخط هنا ، هما وحدهما سيدا مسرح الجمال هذا ، وبظني أنهما سيبقيان كذلك حتى لو رسم حسين الطائي منظرا مقطعيا معماريا urban landscape لمدينة كوبنهاغن ، فان ما يسحرنا في ذلك ، ليس مشهد المدينة وإنما تلك الخطوط وتلك الالوان وتلك العلاقات التي شكلتهما .
للاسف لم تتح لي فرصة مشاهدة المعرض مباشرة ، وإنما اطلعت على بعض الصور المنشورة على صفحة الفنان في الفيس بوك ، لذلك تعذر علي ( كالعادة ) اكتشاف السطوح وملمسيتها بدقة ، لما لذلك من أهمية في قراءة وتأول اي عمل فني ،، كما انني اخاف من الصورة الفوتغرافية للعمل الفني ، التي قد تبتعد الوانها عن الأصل ، ولو بدرجة لونية واحدة ( Pantone Color ) فيكون الحديث عن اللون نوعا من التجني . وكذلك تختصر الصورة مساحة اللوحة وحجمها وهما عنصران مركزيان في مشاهدة العمل الفني ، العين التي تتحرك في مساحة 180 * 180 سم تفقد حريتها في الحركة عندما تتأمل صورة لا تزيد ابعادها عن 6 * 6 سم .
كل ما يمكن قوله من خارج العمل الفني هنا ، إنني و خلال مجموعة قليلة من صور الاعمال التي اطلعت عليها ، تاكدت مرة اخرى , من ان حسين الطائي فنان يتحاشى السير في الطرق المألوفة ، هو يؤسس خصوصيته بارادة ووعي ، مدفوعا بتلك الروح التي امتهنت صناعة الجمال . هو مهندس فراغ مميز ، ومعمار أشكال رشيق الخطوط، يراكم سطح لوحته بطبقات لونية تتنافر وتتجاذب داخل لعبة بدت كما لو انها أعدت بدقة ، لا مكان للمصادفة فيها . تلك هي الهندسة الخفية التي تميز الفن عن سواه .
عندما تتنوع خارطة الفن العراقي شكليا , فتلك علامة عافية ، لقد تعبنا من رؤية اللوحة الواحدة التي يوقعها عشرون فنانا . لقد مللنا من التكرار , واحتجنا حقاً لمن يغامر دون تردد وارتياب , طالما ان الجمال ينهض بأعماقه . طالما ان التحليق في الأعالي لم يعد خطرا بالنسبة اليه . وذلك هو ما يقدم عليه حسين الطائي بكل وضوح .
حسين الطائي
ولد في بغداد 1966 وتخرج في كلية الفنون الجميلة بغداد 1992, درس الكرافيك في المدرسة العليا للفنون هولبك الدنمارك 2006-2007 , يعيش في الدنمارك منذ 2001
أقام 18 معرضا شخصيا و شارك في العديد من المعارض في العالم العربي واوروبا .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram