اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > كانت هي أيضاً فـي حاجة الى ونيس !

كانت هي أيضاً فـي حاجة الى ونيس !

نشر في: 23 مارس, 2015: 12:01 ص

بغداد / المدى
 قصة الجحود ونكران الجميل رواها لي (ع) بعيدا عن شكاوى الشرطة التي حررها ضد أشقائه ، وقضية الحجر التي اقاموها ضده. كان صوته المرتعش يغلب عليه الضعف، ويمتزج فيه الحزن بالغضب . قال لي بانفاس متقطعة : "مات أبي قبل 40 سنة، كنت وقتها شا

بغداد / المدى

 قصة الجحود ونكران الجميل رواها لي (ع) بعيدا عن شكاوى الشرطة التي حررها ضد أشقائه ، وقضية الحجر التي اقاموها ضده. كان صوته المرتعش يغلب عليه الضعف، ويمتزج فيه الحزن بالغضب . قال لي بانفاس متقطعة : "مات أبي قبل 40 سنة، كنت وقتها شابا اقترب من الثلاثين من عمري ، يملؤني الامل والطموح في حياة جديدة استعد لدخولها ، فقد ادخرت مبلغا يكفيني للزواج واختيار شريكة الحياة. 

 

 
انطفأ الامل في قلبي وتحولت الافراح الى اتراح ، فالمرحوم ترك وراءه ثمانية من البنين والبنات كان بعضهم من زوجات اخريات غير امي . اصبحت شيخ الاسرة وعائلها الوحيد ، استجبت لنداء الواجب، تفرغت لادارة محل والدي التجاري الذي يمثل مصدر رزقنا ، واعطيت لقلبي اجازة مفتوحة من الحب والزواج ، فلن اكون انانيا او ابني سعادتي على حساب تعاسة الاخرين . كان بعض اصدقائي يبدي شفقة علي ويقول ناصحا : شوكت اتشوف نفسك ؟ فارد انه قدري ولا استطيع الهروب منه . قلت لهم ان الحكاية ... كم سنة ، وعندما لم اجد بجانبي من يحمل المسؤولية ويخفف العبء رحت افكر في نفسي لان التعيس في الحب كثيرا ما يكون سعيدا في المال ، فقد كان التراب يتحول بين يدي الى ذهب، فتزداد قناعتي بانني اسير في الطريق الصحيح ، فالمال رزق ساقه الله لي من اجل اخوتي . ووسط دهشة الجميع تبدلت احوالنا المالية بصورة كبيرة بعد رحيل والدي. كنا ننتقل من حسن الى احسن ، كان اصدقائي يمازحونني قائلين : يبدو ان المرحوم اخذ (الفُكُر) وياه ... فارد ضاحكا : ارزاق ! بدأت اشهر الانفراج تلوح في الافق عندما تزوجت ثلاثة من شقيقاتي واحدة وراء الاخرى ... حمدت الله فتزويج البنات ستر ! قضيت سنوات عمري كلها في انتظار وترقب ، اتفاءل خيرا كلما تخرج احد اشقائي من الكلية. ثم اكتشف انه يخطط لحياته بطريقة تختلف عني، وهكذا شق كل واحد منهم طريقه في الحياة ، تزوج واستقل باسرته الجديدة . وبعد ان استقر الجميع في بيوتهم كنت انا في منتصف العقد الخامس ، خمدت عاطفة الشباب في قلبي ، كما ان فرص الحصول على زوجة تناسبني باتت محددة ! لكني لم اشعر حينها بأي تغيير ، فاشقائي واولادهم كانوا لا يزالون يلتفون حولي بصفتي حلّال المشاكل والعقد ورجل المهمات الصعبة ! الذي يدخرونه للازمات المالية وما اكثرها . وكنت انا العون للجميع بحب وسعادة ، فهم شركاء في المال وانا ليس عندي اولاد انفق مالي عليهم . كانوا يجتمعون في البيت في الاعياد والمناسبات يغمروني بالحب والحنان ، واسمع في غرف البيت ضحكات الاطفال وصراخهم فاشعر بالفخر والرضا ، على الاقل لم تذهب تضحياتي سدى ، واصبحت في مقام الاب لعائلة كبيرة تحترمني وتوقرني.
لكن لا توجد زهرة تعيش كل فصول السنة ، ولا شجرة تظل تنمو وتنمو حتى تطال السحاب ، فدوام الحال من المحال ... بدأت عزيمتي تضعف وصحتي تعتل، فهذا الجسد الذي تحتله روحي عانى كثيرا من الصدمات والازمات ، ركبته الهموم وتركت فيه معاول القلق والارق ندبات عميقة ! يوما بعد يوم بدأت الارجل تخف من بيتي حتى (طلب الفلوس) يأتيني بالموبايل وممكن ارساله لاحد اخواني مع احد العمال . اصبحت وحيدا ، رجلا مريضا لا يجد من يعطيه الدواء ... ولا انيس الا من زيارات اصدقاء الطفولة والجيران الذين بلغوا سن التقاعد ! ذات ليلة انبرى احدهم قائلا : يا اخي لماذا لا تتزوج وتخلص من هذه المعاناة ، الزواج لا عيب ولا حرام ؟ قلت باستغراب : اريد ممرضة وزوجة ، رد ضاحكا : طبعا تريد زوجة تؤنس وحدتك وتقوم أيضاً بدور الممرضة . راقت لي الفكرة التي رأيتها منطقية فانا قد اموت وتتحلل جثتي فوق الفراش قبل ان يكتشف اشقائي انني رحلت. بدأت افحص الترشيحات التي قدمها لي الاصدقاء ، كان الامر مسليا ولا يخلو من الطرافة . واخيرا وقع اختياري على امرأة لطيفة وحلوة ، كانت هي أيضاً في حاجة الى ونيس ! ولشد ما كانت دهشتي كبيرة عندما رأيت علامات التعجب والاستنكار ترتسم على وجوه اشقائي ، صحيح انهم لم يعلنوا الرفض صراحة ، لكنهم حذروني من تلك المرأة فربما كانت تطمع في اموالي او تريد ان تورث ابناءها البيت الكبير الذي اعيش فيه ! فهمت المغزى ، قلت لهم : انا افهم اعتراضكم وافهم ما تريدون ، وحتى يطمئن بالهم قمت بتوزيع الميراث الذي ساهمت في تنميته واصبح كل واحد يعرف حقه ، قبل ان اتزوج بامرأة يخشون ان تسيطر على قلبي وعقلي ومالي . انقطعت صلتي باشقائي ، في اوقات متباعدة كان احدهم يتصل بي متأسفا ويرجو ان التمس له العذر : مشغول في هذه الحياة الصعبة . اصبحت انا وزوجتي مثل اهل الكهف ، احيانا لا نخرج من البيت ولا نرى نور الشارع لعدة ايام متتالية ولا احد يسأل عنا من قريب او بعيد . وجاءت لحظة شعرت فيها ان النفس الذي يخرج ربما لن يعود ثانية ، جهزت نفسي للرحيل ورفضت الحاح زوجتي باستدعاء سيارة الاسعاف ، قلت لها : اريد ان اموت فوق فراشي ! امسكت زوجتي بالموبايل واستنجدت باشقائي ، استثارت فيهم النخوة وقالت لهم : تعالوا شوفوه يموت على الاقل القوا عليه نظرة الوداع ! هرع الجميع لزيارتي ، اصروا على نقلي للمستشفى ، كانوا يعتقدون انني ربما لن اتجاوز الازمة . في ساعات الانتظار- كما علمت فيما بعد – تدارسوا الموقف ، كانوا يعرفون ان بيتي مليء بالتحف النادرة والحلي الذهبية والقطع الاثرية ، قالوا : ربما تنتهز زوجته انشغالنا بتوديع الميت وتخفي الثروة ، تركوني في المستشفى واسرعوا الى البيت يحصون التركة ، كل واحد حمّل سيارته بكل ما وصلت اليه يداه باعتبار ان هذه الاشياء الثمينة لم يعد صاحبها في حاجة اليها ، وهل يأخذ احد معه الى القبر جهاز حاسوب وموبايلا حديثا ! لكن للقدر حكايات اخرى . لم تكن ساعتي قد حانت بعد ، ومرت الازمة بسلام ، عدت للبيت فهالني ما رأيت ، تمنيت وقتها ان لو كانت روحي قد خرجت الى بارئها ، فذلك افضل من ان اعيش حتى ارى اشقائي يرثونني بالحياة ؟ دخلت معهم في معركة كلامية .. اشتكيت عليهم في مكتب المكافحة ... توعدتهم بان اكتب ملكية البيت وكل ثروتي لزوجتي حتى لا يصل فلس واحد لهم ... اخذوا كلامي بمحمل الجد ، فاقاموا ضدي دعوى حجر لفقدان الاهلية العقلية!!"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram