تتكامل في المسرح شخصية الممثل مع طبيعته الفنية، ليحققا معاً ما يسمى عادة بظِل الممثل، او (الكاريزما) التي لاينساها الجمهور مهما تقادم الزمن، وتباعدت المسافات.تقف الممثلة المصرية (سميحة ايوب) في منطقة الصفوة من المبدعات . والمسرحيات العربية التي قدمها

تتكامل في المسرح شخصية الممثل مع طبيعته الفنية، ليحققا معاً ما يسمى عادة بظِل الممثل، او (الكاريزما) التي لاينساها الجمهور مهما تقادم الزمن، وتباعدت المسافات.
تقف الممثلة المصرية (سميحة ايوب) في منطقة الصفوة من المبدعات . والمسرحيات العربية التي قدمها المسرح القومي في مصر لاسيما المؤلف (سعدالدين وهبة) الذي اقترن وزوجته سميحة بافضل الاعمال التجريبية في مرحلة الستينات وما تلاها من نصوص وعروض، اسست للذاكرة المسرحية العربية برمتها.
درست التمثيل في المعهد العالي في مصر مع الممثلة المبدعة ايضاً (فاتن حمامة)، ومثلت الكثير من الافلام والمسلسلات الناجحة التي شدت قلوب وافكار الملايين من الناس.
في عروضها المسرحية الجادة فرضت نفسها حتى على القيادات السياسية في بلدها، وفي بلدان اخرى، وتحيلنا في (ذكرياتها) الى طبيعة تلك التكريمات الرئاسية لعملها الفني، ومن بينها تكريم (جمال عبدالناصر) حيث رجف قلبها، وارتبكت كما تذكر، حين ارتقت المنصة، لمصافحة الرئيس الذي خافت من نظراته، لكنها وجدت فيهما الطيبة والدعة الانسانية كما شعرت في تلك اللحظة.
وفي مقابلة اخرى، وفي بلد اجنبي آخر، تذكر ما قاله لها وزير الثقافة الفرنسي (ميشيل جي) وهي تؤدي دور (فيدرا) للكاتب (راسين) تحت اخراج الفرنسي (جان بيبير لاروي) ومهندس الديكور الفرنسي – ايضاً – (جان ايف تافرنيه) تقول ما نصه: (... قال لي وزير الثقافة الفرنسي: لقد اخترت دوراً اما ان يرتفع بالممثل او يهوي به الى القاع لصعوبته)، وحين شاهد الوزير هذا العرض في مصر، اضاف، (لابد لفيدرا ان تعرض في باريس) اعجاباً بما قامت به الممثلة من اداء مسرحي حقيقي.
هذه الممثلة العالمية، سميحة ايوب، لعبت – ايضاً – دور (جروشا) في مسرحية (دائرة الطباشير القوقازية) للمؤلف والمخرج الالماني (برتولد برخت)، اخرجها للمسرح المصري (كورت فيت) وهو الماني، اعجب بادائها المثقف والمبهر ليوجز اعجابه بالآتي: (... المهم في عمل الممثل هو التجربة الانسانية والفنية، نحن دائماً نأخذ بالجوهر، وكيف يوصل الفنان المبدع المعنى والفكر)، ثم يخلص من كلامه هذا الى الشهادة بحقها، بقوله: (وانت ،اشهد، تملكين الجوهر والشكل والموهبة!)
لم يشاهد هذا العرض المصريون فقط، بل شاهدته فرقة البرلين – انسامبل بكاملها، بمن فيهم (هيلنا فايجل) الممثلة الاولى في مسرح برخت، ورفيقة دربه في المسرح وفي السياسة، تذكر (سميحة ايوب) الآتي: (استقبلتني هيلنا فايجل، بحفاوة، وكأنها تعرفني، واخذت تحدثني عن (اسلوبي) في التعامل مع مسرح (برخت) وعن مسرحيات اخرى قمت بها، قلت لها: انني اتوق ان اجسد شخصية الام الشجاعة!، نظرت الي (فايجل) مبتسمة وقالت:
- لقد لعبتها انا، وهي من اعز ادواري، ولكن بالنسبة لك، افضل ان تلعبيها بعد عشر سنوات!
- لماذا؟
- لانها امرأة عركت الحياة، وكبرت مع تقادم الزمان.
- واين المكياج؟
- غلبتني!!)
هكذا تكون المبدعة، تنتزع الاعجاب، والاعتراف من الجميع، فما بالك بواحدة بقامة (هيلنا فايجل) التي باتت ايقونة المسرح العالمي في المسرح الملحمي، الذي ابتكره برتولد برخت بامتياز خاص.
وبعد تجربتها مع المسرح الالماني، امتد ابداعها الى المسرح الروسي، لتلعب دور (يلينا) في مسرحية (الخال فانيا) للكاتب (جيخوف) ومثلت معها (سهير البابلي) دور (سونيا) وعبدالله غيث (بدور الخال فانيا) والمسرحية من اخراج السوفيتي (لسلي بلاتون).
ومن بين اجمل الذكريات، هي تقديمها دور (الكترا) في مسرحية (الذباب) للكاتب الوجودي الشهير (جان بول سارتر) الذي شاهد العرض في مصر، وكانت برفقته الكاتبة (سيمون دي بوفوار) وهما معجبان بالرؤية الاخراجية المصرية، وتذكر تفصيلات هذا اللقاء النادر على الوجه الآتي:
(يصعد الى المسرح، سارتر، ويقبلني قائلاً: اخيراً وجدت الكترا في القاهرة)، وتشاطره زوجته سيمون دي بوفوار هذا الاعجاب! ونختم هذه الذكريات بنجاح (سميحة ايوب) في مسرحية (انطونيو وكليوباترا) لمخرج انكليزي.
الممثلة سميحة ايوب واحدة من بين الممثلات العربيات اللواتي وصلن الى القمة، من خلال شخصية مثقفة ناضجة، وموهبة تتكامل ابعادها وتقنياتها صوتاً وجسداً وروحاً، وموقفاً من التاريخ والمجتمع والفكر.