اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > مفهوم العنف وتجلياته في عروض المسرح العراقي

مفهوم العنف وتجلياته في عروض المسرح العراقي

نشر في: 24 مارس, 2015: 12:01 ص

ــ ظواهر واستشراف ــ1-2
 
في المستهل يقتضي التوكيد على ان المسرح والعنف نقيضان ، فالمسرح بوصفهِ ظاهرة انسانية يتقاطع مع ظاهرة العنف بوصفها نزوعاً سايكوباثيا يمزج بين السادية والعدمية . ووفق هذا التوصيف فان التناقض بينهما يفرز اشكالية على مستوى

ــ ظواهر واستشراف ــ1-2

 

في المستهل يقتضي التوكيد على ان المسرح والعنف نقيضان ، فالمسرح بوصفهِ ظاهرة انسانية يتقاطع مع ظاهرة العنف بوصفها نزوعاً سايكوباثيا يمزج بين السادية والعدمية . ووفق هذا التوصيف فان التناقض بينهما يفرز اشكالية على مستوى المعنى والقصدية ، فالمسرح حين يتصدى لمعالجة الشر والعنف والاستلاب فانه يسعى ليس للتطهير والكاثرسيس الارسطي بل ينطلق ويتجاوز هذا المعنى باتجاه ادانة وتعرية وكشف الظواهر العنفية بكل أشكالها وتجلياتها وبما يرسخ المفهوم المتعالي لفن المسرح كونه حاضنة ابدية للجمال والفكر والقيم السامية والفضاء الذي تشتبك فيه الرؤى والأسئلة الكبرى لتعميق الوجود الانساني المتقدم.
يتناول هنري ايكن مفهوم الزمن والحقب التاريخية واقترانها بمدلول يضفي عليها الماهية والدلالة . فاذا كان القرن الثامن عشر قرن التنوير الفلسفي فانه يعتبر القرن التاسع عصراً أو قرناً لبزوغ الايديولوجيا والعقائد ذات الطابع الفلسفي . ولعل افضل توصيف للقرن العشرين بأنه قرن الصراعات الايديولوجية التي تجسدت على شكل حروب وانقلابات وثورات . اما القرن الحادي والعشرون فانه عصر الاستقطاب الاحادي والانفرادي العولمي بعد افول المعسكر الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفييتي والدولة الاشتراكية في اوروبا الشرقية . وأصبح هذا القرن هو قرن العنف والحروب وتفكيك الهويات وتصدير الحروب الاهلية وتحويل الشعوب الى كانتونات اثنية وعرقية وطائفية تتصادم بينها بالعنف والاقصاء وتهميش الآخر .
لقد تناول المسرح عبر تاريخه ومنذ القرن الخامس قبل الميلاد ظاهرة العنف ، وتجد الارهاصات الاولى لهذا التجذير العنفي في مجمل الكلاسيكيات الاغريقية في أعمال سوفوكليس وأسخيلوس وما جسدته من صراع مادي محسوس بين أبطالها وهيمنة المفهوم القدري في تحديد مصائر الشخصيات ونجد أشكالاً كثيرة من العنف في مجمل الاساطير والخيال الميثولوجي في حضارات الغرب والشرق معاً .
وبقيت موضوعة العنف تهيمن على تاريخ المسرح في كل العصور والأزمنة. فالصراع بين الخير والشر وما تفرزه هذه الثنائية من تحولات وتجليات ظلت المهيمن الضمني ضمن المسار التاريخي.
وحين ألحت الفكرة الرومانسية على العقل المدبر والاب الروحي للمسرح الشكسبيري فانه لم يتخلص من العنف وهو يصور لنا قصة حب متوهج بين روميو وجوليت رغم انه احدث انزياحاً في مفهوم القدرية الاغريقية باتجاه ان البشر وما يسلكونه هو القدر الحقيقي.
والعنف ،كما هو في الحياة، ظاهرة لا يمكن اغفال وجودها في تاريخ الانسانية الى الحد الذي جعل احد اعظم فلاسفة الاقتصاد في الغرب (مالثوسر) يدعو الى الحروب ضرورة للتوازن الديمغرافي وفق تبريره المعروف من ان البشر يزدادون وفق متوالية هندسية بينما الامكانيات والحاجات تزداد بمتوالية حسابية وهذا التناقض الحاد هو الذي يؤدي الى الحرب بوصفها اعلى اشكال العنف وتجلياته بشكل تتجلى فيه المبالغة والتصنع فانها تتحول الى مسرحيات ميلو درامية قد يغيب فيها المعنى التأويلي والمعرفي لتفكيك ثنائية الدال والمدلول في الواقعة العنفية . وربما تقودنا المعالجة الفنية لظاهرة العنف في المسرح الى ما يعرف اصطلاحاً بــ (استاتيكا القبح) فتصوير وتناول القبح يخفي تشفيراً جمالياً وتحليقاً على مستوى الدلالة والايحاء والتأشير.
فأعمال شكسبير التي تدور اغلبها حول جرائم واغتيالات وصراعات لامتلاك السلطة ، لكنها حملت افكاراً ودلالات على مستوى تأويل الصراع التراجيدي باتجاه البحث عن العدالة الشاعرية التي تفتقدها المجتمعات القائمة على التناقض والاستغلال وانعدام التوازن الطبقي ، نجد ذلك في هاملت ومكبث والملك لير .
في المسرح العراقي والعربي بدأت ظاهرة العنف تزداد على مستوى الدلالة التداولية منذ نكسة أو هزيمة الخامس من حزيران 1967 وسقوط المشروع القوماني وتهشم الذات العربية بفعل فضائحية الاستبداد العسكرتاري الذي يمثل هوية الأنظمة العربية أسيرة الثكنة العسكرية .
في تاريخ المسرح العراقي عولجت موضوعة العنف في كل المراحل منذ الخمسينات والى مرحلة ما بعد الاحتلال الاميركي والتحالفي لكن طبيعة هذهِ المعالجة تباينت من مرحلة الى اخرى وفق التأثيرات والاجواء المحيطة وحدَّ من تناول الظاهرة بشكل مباشر وجود فوبيا الرقابة والتلصص البوليسي على العروض ابان مرحلة الاحتلال الداخلي وتعاقب الأنظمة الأحادية الاستبدادية منذ الانقلاب العسكري في عام 1958 وحتى عام 2003 في حين شهدت مرحلة ما بعد الاحتلال هاجساً ملحاً لتناول ظاهرة العنف . فغالباً ما يرتبط العنف بإطارهِ السياسي ولأن التناول مشروط بالحرية فلقد وجد المسرحيون فضاء ومساحة من التوغل في عوالم العنف وبواعثه ودلالاته وتجسيد معطياته وفق تناول مختلف ومغاير.
وربما رصدت الأعمال المسرحية قبل الاحتلال موضوعة السجون وما يتلقاه السجين من عنف جسدي وسايكولوجي على يد جلاديه وتجسد هذا في أعمال تناولت النضال العالمي والقضية الفلسطينية كنوع من الإسقاط وتحريض الفكرة. ونجد هذا المنحى الاسقاطي حتى في تناول أعمال شكسبير (ماكبث) و (الملك لير) و (الخال فانيا) لصلاح القصب و(الرجال بلا رؤوس) و (ثورة الموتى) و (الغزاة) لمحسن العزاوي و (الغوريلا) لعقيل مهدي و (العلبة الحجرية) و (تكلم يا حجر) لمحيي الدين زنكنة ، و (صراخ الصمت الأخرس) لعوني كرومي للمؤلف نفسه، و (اميركا قارة الرعب والموت والجوع) لقاسم محمد و (محاكمة في نيسابور) لعباس عبد الامير و(ليلة خروج بشر بن الحارث حافياً) لسامي عبد الحميد و (دائرة الفحم البغدادية) لابراهيم جلال و (محاكمة الرجل الذي لم يحارب) لسليم الجزائري و (ياطيور) لعواطف نعيم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram