محمد درويش علي برغم حداثة الاعلام العراقي الحر، الذي كنا ننشده في السنوات التي سبقت عام 2003، الا اننا استطعنا أن نؤسس لإعلام متميز يعي حقيقة دوره،ولاسيما في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلدنا، ويثبت من يوم لآخر خطاه في هذا الدرب الصعب،
وبات له صيته ليس على المستوى المحلي وانما على المستوى العربي أيضاً، من خلال طاقات قديمة ومخضرمة وشابة، عكست روح التضحية، وعملت بمسؤولية كبيرة وبمهنية عالية. صحف متميزة وواعية، اذاعات تنطلق من قلب الحدث، وفضائيات تلاحق كل صغيرة وكبيرة، وجمعيات صحفية تناقش أية خروقات وهكذا وصولاً الى خطاب متقدم، تدعمه حرية منطلقة من ثوابت موضوعية قبل كل شيء، بعيداً عن الفوضى والشوشرة، وبث روح النزاعات الطائفية المقيتة. ودفعت هذه القنوات الاعلامية، بكل أشكالها وأنواعها العشرات من الضحايا الذين سقطوا، في طريق الكلمة الحرة الشريفة، وهناك من تعوق وظل ملتزماً ومتواصلاً مع المهنة التي اختارها التي لاتدر غير السمعة الحسنة والشرف الرفيع. ولم يتوقف الاعلام برغم هذا عن أداء دوره، وانما كان له دافعاً قوياً، للسير نحو أهدافه المرسومة. ونحن نؤسس لكل هذا، غاب عن القائمين عن الأمن ان يكونوا بمستوى هذا الاعلام، لتحصل الموازنة مابين الأمن والاعلام، وظل الأمن بمستواه المتأرجح يوماً تشعر أنك بخير وبامكانك ان تعوم في بحر من النعيم، ولكن سرعان ماينتهي كل شيء وينهار، حتى تشعر بالخيبة وكأن وعود التغيير ذهبت أدراج الريح! وسط بحر متلاطم من التصريحات الرنانة التي لاتفيدنا بشيء، سوى زيادة أحزاننا. وسط هذا الجو الملتهب نشأ وترعرع وأثبت حضوره الاعلام العراقي الذي يسعى الى تجديد نفسه يومياً، ويثبت للجميع أن الكلمة الصادقة هي التي توصل الى الحقيقة، وهي (مسؤولية) كما يقول سارتر، وليس الكذب والافتراء والضحك على الاخرين. أقول هذا وفي بالي العشرات من الأمثلة لهذه القنوات الاعلامية التي تجاوزت عمرها الحقيقي، ووصلت الى مرحلة النضوج عبر كل برامجها، وعبر توجهها الوطني وهي تنقل الحقيقة الى المواطن، وتضعه في قلب الحدث، وتراهن على صدقها وأهميتها في كل ماتقوم به. كم كنا نتمنى أن يكون تقديم الخدمات للمواطن بهذا المستوى وان يكون التفاني في سبيل القيام بأدائها، لكي يعيش المواطن في بيته مرتاحاً، ويسير في الشارع على هواه، لايفكر بشيء يرهق كاهله ويزيد من مأساته. والمهم في الأمر هو أن الاعلام أشر هذا الخلل في أداء الأجهزة الأمنية وكذلك الدوائر الخدمية، التي يصب عملها في صميم اهتمامات المواطن الذي لم يدخر جهداً في خدمة بلده. ولكن للأسف لم تأخذ بها الجهات المعنية وكأن الأمر لايعنيها، أو انها تجاهلت كل هذا مثلما تجاهلت الخدمات. وحتى ردودها التي تصل الى هذه القنوات الاعلامية، كأنها إسقاط فرض ليس إلا، ولاتحمل بين طياتها الحقيقة التي يريدها المواطن، وهويريد أن يراها على أرض الواقع. وتلمس المواطن عبر هذه السنوات التي تجاوزت الست، أهمية الاعلام الذي نذر نفسه لخدمته وخدمة الحقيقة رغم تعرضه للكثير من الضغوط التي تريد تحييد موقفه. نعم ثانية وعاشرة الاعلام العراقي بمستوى المسؤولية في هذا الوقت، ولن يقف في مكانه مكتوف الأيدي، وانما يسابق نفسه للوصول الى الحقيقة التي يريدها المواطن.
الوصول إلى الحقيقة
نشر في: 20 ديسمبر, 2009: 06:18 م