4-4
هجرة فكتوريا بطلة رواية سامي ميخائيل التي حملت نفس الاسم مع عائلتها إلى إسرائيل، كانت بالنسبة لها، بداية الانطلاق لتأسيس عالمها الخاص، فمهما قيل عن هجرة اليهود إلى إسرائيل، إلا أن أمراً واحداً يظل ثابتاً، بقدر ما جاءت تلك الهجرة بسبب بواعث مصيرية جماعية، بقدر ما كانت بالنسبة لعدد كبير من المهاجرين أيضاً، قضية لها علاقة بالحرية، بالبحث عن ملاذ جديد لتأسيس عالم خاص. فكتوريا هي أحد هؤلاء، العالم مشغول بالأمور الكبيرة من أمامها، وهي مشغولة بالقضية الخاصة بها. حتى في إسرائيل، ظلت تكافح في سبيل قضيتها تلك - وهي على حق في ذلك، فهل هناك قضية أكبر من قضية القلب وشؤونه -، ألم تنتصر فكتوريا في النهاية؟
في حديث له في فلم "أنس بغداد"، للمخرج العراقي السويسري سمير وفي إحدى تلك اللقطات البارعة والجميلة، يقول سامي ميخائيل "منذ أن وصلت إلى إسرائيل، وبيني وبين دولة إسرائيل صراع مستمر، هي تريد جرّي إليها، وأنا أريد جرها لي، وفي النهاية؟ من انتصر؟"، يتساءل سامي، ثم يجيب بقناعة مدهشة، "انتصرت أنا عليها، منذ أن أسست الدولة الخاصة بي". كاتب مثل سامي، بهذه الذاكرة المتقدة، وبهذا الحماس، حماس الدولة الفتية التي تدافع عن استقلالها وحريتها، إنسان مثله، سلاحه الكلمات، لا يمكن له ألا يقف إلى صف دول مستقلة أخرى، يشعر بقرب لها، يشعر بتشابك مصيرها مع مصيره، أقصد دولة صديقة مثل دولة الصديقة: فكتوريا،
"قرأت كتابا وتغيرت حياتي"، كتب التركي أورهان باموك على لسان صديقه "دولة" عثمان بطل رواية "الحياة الجديدة"، ثم يتابع " منذ قراءة الصفحات الأولى من الكتاب شعرت داخلياً بقوة هذا الكتاب، لدرجة أنني اعتقدت، بأن جسمي انفصل عن الكرسي والطاولة التي جلست عندهما، ليرتفع عالياً. لكن رغم هذا الشعور شعرت بأنني أكثر ثباتاً من قبل بكل حضوري وبكل مسامات جسدي وأنا أجلس على الكرسي وعند الطاولة، ولم يظهر الكتاب كل تأثيره على عقلي إنما على كل ما يمكن أن يصنع نفسي"، ذلك ما أردت أن أقوله لك في النهاية عزيزي سامي، صحيح أن كتابك قلعني من مكاني، وأنا أجلس في غرفتي في هامبورغ، وحملني على سجادته إلى بغداد التي تعرفها أنت أكثر مني، صحيح أن كتابك قال لي، ما أن أوصلني هناك إلى فكتوريا، وقبل أن اقرأ تلك الجملة على عنوان الفلم الوثائقي الجميل الذي عمله دولة الصديق سمير، قال لي: إنس المدينة التي تراها عيناك الآن، "انس بغداد"، أنسى كل ما عرفته عن بغداد القديمة، بغداد الحكايات، إلا أن كتابك يا عزيزي دولة الصديق سامي ميخائيل، علمني الكثير، جعلني أعرف كل تلك التفاصيل الصغيرة التي ما كان من السهل معرفتها لواحد مثلي نما في بلاد حرصت على محو ذاكرتها، كل ما له علاقة بوقوع الكارثة التي حلت علينا جميعاً...
كم هي جميلة هذه السجادة التي صنعتها عقدة وراء عقدة، من يقول يا عزيزي سامي، اننا نجلس في الهواء على سجادة الأدب؟ من يجلس هناك، لابد له أن يشعر بالأمان، أكثر من ذلك الذي جلس في حضن إبراهيم. شكراً لك (يا) دولة الصديق سامي ميخائيل، الذي علمني الكثير، لكن قبل كل شيء، اسمح لي أن أقول أيضا: شكراً لدولة فكتوريا التي جعلتنا نتعرف على بعض.
*القيت الكلمة في حفل تكريمي للكاتب سامي ميخائيل في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا بمناسبة صدور طبعة خاصة بالإنكليزية لروايته "فكتوريا"