حقق فيلم "سر القوارير" نجاحاً طيباً عند عرضه في صالة المسرح الوطني بحيث أثنى النقاد عليه على نحو أشادوا به كثيرا. الفيلم من تأليف وسيناريو وحوار القاص عبدالستار البيضاني واخراج الدكتور علي حنون وأداء مجموعة من الفنانين منهم آلاء حسين وماز
حقق فيلم "سر القوارير" نجاحاً طيباً عند عرضه في صالة المسرح الوطني بحيث أثنى النقاد عليه على نحو أشادوا به كثيرا. الفيلم من تأليف وسيناريو وحوار القاص عبدالستار البيضاني واخراج الدكتور علي حنون وأداء مجموعة من الفنانين منهم آلاء حسين ومازن محمد مصطفى ود فاضل خليل وسامي قفطان وآسيا كمال وأمير البصري وآخرون.
من بين الذين يحتفظون برأي مهم في الفيلم وتفاصيله الدكتور الأكاديمي والكاتب صالح الصحن . التقينا به للحديث عن الفيلم في أكثر من جانب، فبدأ الدكتور صالح الصحن حديثه عن فيلم سر القوارير للمخرج د. علي حنون فقال:
يستطيع المتذوق المتلقي أن يقيس مساحة حدود رؤية المخرج ودرايته الحرفية بعمله عبر الثراء الذهني والبصري الواضح في تصميم وتنويع اللقطات بحجوم متعددة وبتنويعات حركية ذات زوايا واتجاهات تلاحق وتناغم الحركة والفعل التعبيري بانسجام عالٍ وبما يحقق المشاهد الكبيرة التي تتطلب رسماً مسبقاً في ادارة وحركة الممثلين والكاميرا والمكونات ككل.
* ماذا عن تقنيات الصوت في الفيلم؟
- كان الصوت في سر القوارير حاملا للقوة التعبيرية وعلى وفق المسامع والذائقة الصوتية المثلى بما في ذلك بناء الموسيقى التصويرية وحسن التحكم في تدرج وانسجام الفعل الصوري مع المجرى السمعي المؤثر باختيار موسيقى تحمل شغف الروح ومشاعرها ومعاناتها ودفقها التعبيري باحساس عالٍ وبانفعال كبير وقد اجاد الموسيقار دريد فاضل الخفاجي في الحفاظ على البُنية السمعية النابضة في الفلم.
* كان الإخراج يتمتع بنظرة شاعرية للأحداث، فكيف ترى ذلك؟
- كان المخرج يمثل دور (الشاعر) الذي صمم الشكل البصري الباهر وحافظ على تنويعته المتدفقة في منظومة مونتاج بنائية مندفعة في التيه الذي تختفي فيه ممكنات السرد ومثابات العقدة التي اعلن المخرج يقظته في وضع الحلول الملائمة لها في التوقيت الدرامي الحتمي للزمن وبما يعزز تشغيل وحدة الوظائف السردية للمحتوى الدرامي للقصة جماليا، وهذا ما تحقق في السيطرة على ادارة المتغيرات السردية وتفرعاتها المتعددة والمنبثقة من العقدة الرئيسة فضلا عن مشاهد الاسترجاع الحتمية التي تلاحق الفكرة بحثاً عن خيوط السرد الفلمي ومعطيات الحكاية وعقدتها المتشعبة .
* هناك تهمة لمخرجي التلفزيون عندما يعملون في السينما بأنهم يظلون أسيرين لذلك، فكيف وجدت عمل المخرج في الفيلم بهذه القضية بالذات؟
- تخلص المخرج الى حد ما من التهمة الدائمة التي لاحقت أغلب المخرجين بالوقوع في شرك السمة التلفزيونية لأفلامهم السينمائية التي عدها البعض انها عيباً لا بد من التخلص منه ,وبرغم ان فكرة الفلم لم تتبنَّ المنحى الفلسفي والاقتصار على فكرة الدراما الاجتماعية التي اجاد كتابتها الكاتب عبدالستار البيضاني, فقد عكف المخرج على رسم وتصميم حكاية سينمائية باشكال وتكوينات باهرة في اللقطة والمشهد وبتقنيات عالية تجاوزت الحدود التقليدية البسيطة بفعل دقة التحكم بمسارات السرد وتركيب المشاهد وزمن اللقطة ومقدار حاجتها من اللون والضوء والحركة التعبيرية ودرجة تفاعلها مع الموجودات .
* كيف رأيت أداء الممثلين في الفيلم ؟
- يشكل حضور كادر التمثيل القدير المحترف والمتمكن من الأداء الفــذ علامة بارزة ومهمة من علامات فلم سر القوارير بما قدمه الفنان القدير سامي قفطان وخبرته السينمائية والتعامل مع الكاميرا وبما يقابله بالتوازن الشيخ التاجر الذي جسده الفنان القدير د. فاضل خليل واحتواء المشهد بدفق تعبيري ثــر، اما أداء الممثل النجم مازن محمد مصطفى فقد طغى على المشهد البصري في التجسيد والأداء والثقة بالتوازن بتحريك منظومة المشاعر والعواطف وتأجيج الصراع بهيبة عالية برغم دنيويته الليلية. وجاء السحر كعادته متمثلا بالنجمة القديرة المتالقة آلاء حسين بدور مناهل التي تبوَّأت فيه سلطة المشهد الدرامي وعنفوان تحريكه من خلال بهاء الأداء التعبيري الدقيق وقوة التفاعل مع الفعل والحدث والشخصيات ما خلق منها ذات الشخصية النموذجية المستوفية لاشتراطات بنائها المنهجي المتمثل بالقوة والحكمة والصبر والحب والتوازن والمعرفة والتجرد من الرذائل والانكسارات والأغراض النفعية. ومما يلفت النظر في سحر الأداء المتميز وحرفيته المعهودة كان متجسداً لدى الفنانة القديرة آسيا كمال في دور زوجة المزارع وبحدود لا يتعدى اكثر من مشهدين ولكنها خلقت من الحميمية الثائرة بفعل الحيف الذي أصابها جراء جشع التاجر وبخس بضاعتها والتي قدمت طاقات تعبيرية هائلة من الحضور الملفت بما يدعنا ان نقول إنها حقاً سجلت الدرس الاحترافي المطلوب في التمثيل والقائم على طبيعة الدور وليس على عدد المشاهد وكثرة اللقطات بحسب مناهج التمثيل المعروفة.
* وهل هناك ملاحظات أخرى حول الفيلم؟
هناك بعض الملاحظات التي يمكن الإشارة إليها وهي :
- تجاهل النص الفلمي النموذج والصفة الدينية في مجتمع الأحداث أفراداً ومؤسسات كجزء من منظومة البنية الاجتماعية آنذاك، وتحفظ كثيراً من الإشارة الى الصلاة والجامع وما يُشير الى ذلك من أيقونات باستثناء طرحه شخصية دينية (شكلا) جسدها الممثل طلال هادي وباطار لا يخلو من الطرفة والبساطة .
- كعادة أغلب الأعمال العراقية الدرامية لم يتخلص الفيلم من اشكالية ضبط النطق باللهجة المحلية سواء كانت من الشمال او الجنوب او الغرب او الوسط وهذا ما حصل في بعض الهنات في النطق والتعبير واختلاف المفردات .
- يبقى زمن الفيلم ( ساعتان وعشرون دقيقة ) بحاجة الى قسطرة مونتاجية قدر الإمكان لحذف بعض الإطالات التي احتلت أزمنة يمكن اختصارها بما يحافظ على جسد الفيلم وبنيته الجمالية.