TOP

جريدة المدى > سينما > جان كوكتو يكتب عن أورسون ويلز

جان كوكتو يكتب عن أورسون ويلز

نشر في: 26 مارس, 2015: 12:01 ص

التقيت اورسون ويلز عام 1936 في نهاية رحلتي حول العالم. كان ذلك في هارلم عند عرض مسرحية ماكبث من قبل فريق أسود من الممثلين، كان اداءً غريباً ورائعاً وأسرني بفضل اداء غلينوي، ويستكوت ومونرو ويلير. كان ارسون ويلز في ريعان شبابه. جمعنا ماكبث مرة ثانية في

التقيت اورسون ويلز عام 1936 في نهاية رحلتي حول العالم. كان ذلك في هارلم عند عرض مسرحية ماكبث من قبل فريق أسود من الممثلين، كان اداءً غريباً ورائعاً وأسرني بفضل اداء غلينوي، ويستكوت ومونرو ويلير. كان ارسون ويلز في ريعان شبابه. جمعنا ماكبث مرة ثانية في مهرجان فينيسيا عام 1948. والامر الغريب جداً اني لم اربط بين ذلك الشاب اليافع الذي لعب دور "ماكبث الاسود" وذلك المخرج المشهور الذي كان سيريني "ماكبث" آخر (وهو فيلم له) في مسرح صغير على الليدو، (وهو ملهى ليلي على شاطئ رملي). هو الذي ذكرني، اننا كنا في بار في فينيسيا عندما  كنت قد اشرت اليه في المناسبة الماضية بأنه عادة بالامكان التمويه على مشهد المشي اثناء النوم على خشبة المسرح، في حين اعتبر ان يكون ذلك حاسماً.

 

ان فيلم "ماكبث" لأورسون ويلز هو فيلم موديت maudit، ذلك في المعنى النبيل للجملة التي نستخدمها لدعم مهرجان بياريتز. 
يترك فيلم "ماكبث" لأورسون ويلز مشاهديه صماً وعمياناً واجزم بان اولئك الذين يحبون ذلك – بمن فيهم انا شخصياً – هم قلة جداً. لقد صور ويلز الفيلم بسرعة كبيرة بعد عدد كبير من البروفات – هذا يعني انه اراد ان يستمر ويبقى مع النمط والنموذج كما هو الامر في المسرح، محاولاً اثبات ان بامكان صناعة السينما ان تضع أي عمل تحت "عدستها المكبرة" وتجاهل ما يجب ان يكون نمطاً لصناعة السينما. انا لا اوافق على المختصر "سينما" بسبب ما يمثله. في فينيسيا انت تسمع الناس وهم يكررون نفس العبارة بشكل ثابت: "انها سينما جيدة" او "انها سينما غير جيدة" لقد اعتدنا الضحك على مثل هذا، وكما يمكن ان تتخيلوا، وعندما اجريت المقابلة معنا نحن الاثنين معاً على الراديو، اجاب كل من ويلز وانا، انه يجب ان نكون سعداء بمعرفة ماذا كان يعني فيلم "سينما جديدة" ولم نطلب أي شيء افضل من معرفة الوصفة حتى نتمكن من متابعتها.
ان فيلم "ماكبث" لاورسون ويلز هو عمل قوة عارضة وحشية. يضعون على رؤوسهم تيجاناً من الورق المقوى، ويرتدون جلود حيوانات مثل سائقي سيارات بمحركات قديمة، يتحرك ابطال المسرحية باتجاه ممرات المسرح وكأنه سكة قطار تحت الارض يشبه الحلم، موجود في الاقبية المخربة التي تنز منها الرطوبة وعبر مناجم الفحم الحجري المهجورة. لم تترك لقطة واحدة للصدفة. الكاميرا دائما موجودة في عين المكان، الذي منه عين القدر تختار ان تتبع ضحاياها. في بعض الاحيان، نتساءل في أي عصر يظهر هذا الكابوس، وعندما نرى ليدي ماكبث لأول مرة، وذلك قبل ان تنسحب الكاميرا الى الخلف لكي تكون حيث تكون هي موجودة، نحن تقريباً نراها سيدة في ثوب عصري وهي مستلقية على اريكة من الفراش بجانب هاتفها.
يجلب اورسون ويلز موهبة ممثل تراجيدي كبير لدور ماكبث، وفي حين ان لهجة اسكتلندية يتم تقليدها من قبل اميركي قد لاتطاق لدى الآذان الناطقة بالانكليزية، يجب ان اعترف ان ذلك لم يعد يزعجني، وبأنني لن افعل ذلك ولو كنت اجيد الانكليزية بطلاقة، لان ماهو متوقع فقط هو ان تلك الوحوش الغريبة ستنطق بلغة متوحشة كلمات شكسبير التي ستظل كلماته.
باختصار انا محكّم متواضع وقاض افضل من الآخرين، أي انه، بدون وجود أي شيء يعرقل تقديري، كنت قد اشتركت كلياً في المؤامرة ومضايقتي وعدم راحتي كانت تأتي من ذلك وليس من عيب في اللفظ.
اخرج ويلز الفيلم خارج المنافسة في مهرجان فينيسيا وتم عرضه في مهرجان "اوبجيكتيف 49" في عام 1949، في "صالة الكيمياء" وكان الفيلم يلاقي نفس الاعتراض في كل مكان. الفيلم هو خلاصة وصورة عن اورسون ويلز، شخصية تسخف وتقلل من قيمة التقاليد، وتحرز النجاح من خلال ضعفه هو. احياناً تكون جرأته ملهمة وولدت تحت مثل هذا النجم المحظوظ بحيث ان الجمهور يسمح لنفسه ان يكسب – على سبيل المثال في المشهد من "المواطن كين" حيث يكسر "كين" كل شيء في غرفته، او قاعة المرايا في فيلم "السيدة من شنغهاي".
ومع ذلك، فان الحقيقة هي انه بعد الايقاع المدغم لفيلم "المواطن كين"، توقع الجمهور تعاقب سلسلة من الاختزال وخاب ظنه بالجمال الهادئ لـ (آل أمبرسون الرائعون). لم يكن من السهل متابعة نبرات الصوت والمداخل والمخارج التي نقلتنا من الصور غير العادية لمليونير الصغير، مثل لويس الرابع عشر الى الفوران الهستيري لعمته.
الذي صدم جماهير الجاز والمولعين بالرقص كان ويلز الذي كان مهتماً ببلزاك، وويلز ذلك العالم النفساني، وويلز الذي يعيد بناء بيوت استعمارية كولونيالية اميركية. لقد اعاد اكتشاف ويلز في فيلمه المربك "السيدة من شنغهاي"، ولكن اضاعوه ثانية في فيلم "الغريب"، وهذا الانكفاء اعادنا الى الوراء الى ذلك الزمن عندما غادر اورسون ويلز روما كي يعيش في باريس.
انه يشبه العملاق صاحب وداعة النظرة الطفولية، شجرة مزدحمة بالطيور والظل، كلب كسر مقوده وذهب لكي يستريح مضطجعاً في السرير من مفرض الورد، وهو المهمل النشيط، مجنون حكيم، وهو في خلوة يطوقها حشد من الناس، طالب نائم في الصف، شخص ستراتيجي يتظاهر انه مخمور عندما يريد ان يترك لوحده.
افضل من أي شخص آخر يبدو غير مكترث بالقوة الحقيقية، متظاهراً ان يكون تماماً بانه على غير هدى ويسير منقاداً وعينه نصف مفتوحة. هذه الطريقة المهملة اثرت عليه في بعض الاحيان ومثل دب في سباته، حماه من البرد ومن القلقلة الشديدة في عالم السينما. الهمته ان يبحر، ان يترك هوليوود وان ينجرف نحو رفاق آخرين ومنظورات واتجاهات اخرى.
في الصباح عندما غادرت باريس الى نيويورك، ارسل لي اورسون يولز لعبة على شكل ساعة آلية، لها شكل ارنب ابيض رائع تلوي اذنيها وتقرع الطبل. لقد ذكرتني هذه اللعبة بالارنب الطبال الذي ذكره "ابولينير" في تقدمة "بيكاسو – ماتيس" الى معرض "بول غويوم" والذي بالنسبة له يقف ممثلاً المفاجأة التي تقدم التحية لنا ونحن على زاوية الطريق.
كانت هذه اللعبة الفخمة الشعار الحقيقي لويلز، وتوقيعه الحقيقي. وعندما أحصل على اوسكار من اميركا تظهر امرأة تقف على طرف اصابع قدمها وفي فرنسا عندما تم منحي النصر الصغير لسموثريس، اعتبر الارنب الابيض من اورسون ويلز هو اوسكار الاوسكارات، وجائزتي الحقيقية.
اكرر القول ان لغة صناعة السينما، لاتكون في الكلمات. المرة الاولى التي عرض لي فيها فيلم "الآباء الرهيبون" كانت في سينما سان ماركو في فينيسيا، على هامش المهرجان الذي منه كنت قد اتبعت نموذج ويلز الذي استخدمه في ماكبث وكان يجب ان انسحب من "النسر ذو الرأسين"، كنا جالسين احدنا بجانب الآخر.
هو لايستطيع ان يفهم الحوار بالكامل ولكن عند ادنى فارق بسيط في الاتجاه، كان يضغط على ذراعي باقصى ما في وسعه. كان العرض متوسط المستوى لانه لم يكن هناك مايكفي من الطاقة الكهربائية في جهاز العرض، وبالكاد يستطيع الشخص ان يميز الوجوه التي هي مهمة جداً في فيلم من هذا النوع. ولما اعتذرت من اجل ذلك، قال لي ان جمال الفيلم هو شيء ابعد من العين والاذن، ولايكمن في الحوار ولا في جهاز العرض الذي يمكن ان يكون قد عرض بشكل سيئ وغير مسموع، دون تدمير ايقاعه.
انا اوافق على ذلك. في زمن فيلم "آل أمبرسون الرائعون"، على سبيل المثال، انه يأخذ الفكرة الى وجهة ايجاد علاج للسحر في تأثيرات الصور الفوتوغرافية. ولكن بعد مشاهدة "الآباء الرهيبون" في مقهى فلوريان على ميدان سان ماركو، اتفقنا انه يجب الا يذهب الشخص من حالة النقيض في السحر والجمال الى اخرى، لان من شأن هذا ان يكون تماماً مثل رسم المناظر الطبيعية التي اعطت تأثيراً فورياً عن الشيخوخة.
في الحقيقة لا ويلز ولا انا نحب التحدث عن عملنا. يحصل مشهد الحياة في الطريق. كان بامكاننا البقاء بدون حراك ولوقت طويل نراقب نشاط الفندق فيما حولنا. ان مثل هذا الجمود وعدم الحركة كان مقلقاً للغاية لرجال الاعمال المشغولين، والخبراء المعنيين في صناعة السينما. كان ذلك مثل تعذيب طائر الجندول عندما كان يجب على رجال الاعمال المشغولين والخبراء المتلهفين ان يكونوا معاً وان يخضعوا لايقاعه. بدأ الناس في الشك فينا. واعتبر الهدوء لدينا على انه شكل من اشكال التجسس. كان صمتنا مرعباً ومادة متفجرة فعلاً. اذا حدث وضحكنا، كان ذلك يؤخذ على انه ترويع. رأيت رجالاً جديين يستعجلون الخطى ويتجاوزوننا باقصى سرعة، خائفين من ان يوقع بهم. لقد اتهمنا بجريمة مهرجان "الاذى"، على اساس تشكيل عصبة.
كان هذا غير واقعي البتة وقريباً جداً من شكل الاختلال العقلي الجماعي الى حد لم استطع لا انا ولا ويلز ان نرتب لقاء في باريس.
يذهب هو في طريق. انا اذهب في طريق آخر. عندما يدخل المطعم يخبره المالك بأنني قد تركت للتو، والعكس بالعكس. كلانا نكره الهاتف. باختصار، اصبحت اجتماعاتنا ما يجب ان يقال عنها: معجزة. وتحصل المعجزة عندما يجب ان تحصل.
ساترك الامر لبازان لكي يخبركم بالتفصيل حول جسم متعدد الجوانب من العمل، الذي لاينحصر عمله في صناعة السينما، لكن في الصحافة، نكتة الهبوط المريخية السريعة وانتاجه لفيلمي "يوليوس قيصر" و "حول العالم في 80 يوماً" قد لعبت كلها دوراً كبيراً. اردت تقديم رسم سريع لصديق احب واحترم والذي هو عبارة عن حشو في الكلام حيث يكون اورسون ويلز معنياً، بما ان صداقتي واعجابي هي نفسها واحدة والشيء ذاته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. اميرة احمد

    أورسن ويلز الملهم..كلمات جان كوكتو رائعة..حينما يتحدث شاعر عن شاعر بشعر

يحدث الآن

جلسة "القوانين الجدلية" تحت مطرقة الاتحادية.. نواب "غاضبون": لم يكن هناك تصويت!

القانونية النيابية تكشف عن الفئات غير مشمولة بتعديل قانون العفو العام

نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي

إنهاء تكليف رئيس هيئة الكمارك (وثيقة)

الخنجر: سنعيد نازحي جرف الصخر والعوجة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram