انزعج اصدقاء عرب لكثرة استخدامي تعبير "سنّة" العراق خلال حديث مطول عن اوضاعنا، وكانوا على حق، اذ من الافضل ان نستخدم اسماء احزاب وحركات وكتل نيابية، ولا داعي لتكريس الاوصاف المذهبية. غير ان الامر جعلني انتبه الى ان القوى السنية في العراق ليس لديها اسماء ثابتة لاحزابها وكتلها. تغيير مستمر في الاسماء يعكس الرمال المتحركة تحت ارجلها، بينما يحتفظ الاكراد والشيعة وحتى المسيحيون باسماء ثابتة نسبيا لكتلهم واحزابهم وقادتهم. ولذلك لم يصبح بامكاننا ان نشير الى القوى السنية باسماء احزابها، ربما باستثناء الحزب الاسلامي الذي ذاب ايضا في "العراقية" مرة وفي "متحدون" اخرى، وظهر له تمثيل في قوائم فرعية، ثم عاد مع الجميع في اتحاد القوى (او تحالف القوى)، وسبق ان ذاب في جبهة التوافق، وهكذا.
وهذا يعود لسببين، الاول ان القوى السنية ظلت طوال سنين تحاول اختبار ما تريد، ولم تصل الى نتيجة نهائية بعد كما احسب. ولذلك راحت تخوض التجارب وتستبدل الاطر والصياغات. اما السبب الثاني فيعود للخصوم الذين عملوا على تمزيق الكتل السنية بطرق كثيرة، ونتيجة لتمزيقنا للاطراف السنية القوية، ظهرت داعش كي "تثأر" للسنة، لكنها راحت تثأر من السنة الذين تتذكر انهم سبق ان طردوا تنظيم القاعدة. وبالتالي فقد عملت كل الاطراف تقريبا على عدم امتلاك السنة اوصافا سياسية وحزبية ثابتة، واطالة فترتهم التجريبية، وهو امر عاد بالويلات على كل الجماعات السياسية في بلادنا، اذ لا استقرار للعراق دون استقرار اركانه الاجتماعية الرئيسة.
اما اليوم فان ما يروج بين الطبقة السياسية او جزء منها، يتركز على ضرورة "العثور على قادة جدد للسنة" لان الحاليين "غير قادرين على القيادة"! وكأن الامر يقتصر على السنة، وان باقي القيادات متكاملة الخبرة والجاهزية، ومعصومة عن الخطايا والاخطاء. وهكذا تسمع كل يوم عن ضرورة استبدال النجيفي ونسيان العيساوي، لان الجمهور السني لا يثق بهم، وكأن الجمهور الشيعي يثق بما يكفي بقياداته التي ينتخبها في كل دورة تشريعية ثم يردد انه "نادم".
ولا غبار على اصل الفكرة طالما اننا نعيش "تداولا سلميا جدا" للسلطة، لكن من الذي يمتلك الوصاية على هذا المكون كي يتحكم بممثليه؟ وايضا، من الذي سيحدد البديل سوى الانتخابات، وهل سننتظر حتى الانتخابات المقبلة كي نختبر رأي الجمهور السني، وهل سيعني هذا تأجيل الاتفاقات الكبيرة حتى الوثوق بان جمهور السنة يدعم قادته الحاليين؟ وهل ستكون الانتخابات ممكنة اذا بقينا نؤجل التسويات مع جماعة سياسية كبرى في مثل هذه الظروف؟
اما المفارقة الكبرى فهي ان معظم من ألتقيهم من الساسة الشيعة، يعترفون ان القيادي السني الفلاني يتمتع ببراغماتية وذكاء، وهو قدم تضحيات في سبيل الشرعية والدستور، لكن يجب نسيانه لان الجمهور الشيعي لا يحبه! ولا ادري لماذا نفترض ان الجمهور السني يحب قادتنا الشيعة؟
ان الامر مليء بمفارقات عديدة، لكن الواضح لدي ان بعض شيعتنا يريدون التخلص من مفاوضين سنة اقوياء تراكمت لديهم بعض الخبرة، كي يأتوا ببديل سني مصطنع ومختلق، عشائري في الغالب اي لم يسبق له ان مارس السياسة، على افتراض ان من السهل التحكم بقيادات محلية كشيوخ العشائر، بينما يصعب عليك التعامل مع اثيل النجيفي ورافع العيساوي مثلا.
لكن علينا ان نتذكر ان كثيرا من الانظمة حاولت "اختلاق" قادة للاكراد وللشيعة وللايرلنديين والاسكتلنديين وغيرهم طوال عقود، لفرضهم بديلا عن مركز التأثير الحقيقي، لكن العملية فشلت، بالضبط كما فشل المالكي مع نموذج الوزير سعدون الدليمي. وقد سمعت من ابرز قادة البلاد ايام المالكي، ان اي اتفاق مع "ضعفاء السنة" لن يكون مجديا، ولابد من التفاوض مع الاقوياء. اما في هذه الايام فاننا نسمع "همهمة" اخرى، وليت العارفين يشرحون لنا المقصود ويفسرون جملة المفارقات التي تواجه محاولة "اختلاق" نموذج سني جديد!
"اختلاق" سنّة العراق
[post-views]
نشر في: 25 مارس, 2015: 09:01 م