كتبَ عن نصوصهِم، قالوا هذا عبقري! افتحوا له الأبواب، تقدَّمَ بقراءةٍ عامة، قال: أيش هذا؟ أيش فَهَّمَ هذا بالنقد أو بالأدب؟ هذا الذي لا يتقنُ لغته الأُم. اطردوه. اغلقوا الأبواب سيفسد حفلنا التنكري البهيج، هذا الذي لا يفهم الأدب تعرفه مكتبات المدينة العتيقة ،بيدهِ نفضَ غبار الأرشيف الكردي بالعربية فوق الرفوف المتهرئة، كَتَبَ وَنَشَرَ مئات المقالات عن الأدب الكردي على جدران بغداد والعواصم العربية. صرخةٌ أخرى في العراء. وقوف. الجمع يؤيد المسؤول. يصفقون طويلاً لهذا التصريح. ذو الحاجبين: نعم اطردوه ناكر الجميل هذا. كان بالأمس يتوسَّل لنشتري منه كتباً! ليس تاجراً، ولا دار نشر، لو احتسبنا ثمن سيارة الأجرة ذهاباً وإياباً ثلاث مرات، لصارت كتبه هدية مجانية، أهداكم أمَّهات الكتب. لا ذنبَ لهُ إلا أنَّهُ قرأها. (إذا محاسنيَ اللاتي أُدِلُّ بها/ كانت عيوبي فقلْ لي كيف أعتذرُ؟) لا تشتروا كتبه المقروءة، لا تنشروا نصوصه المعتوهة. هكذا قال أحدهم ،بالأمس القريب كان مسؤولا عن توزيع المكافآت ولملمة المبيعات من المكتبات، وسيقول: بالأمس جاءنا حافياً! وأنا أقول له: اليوم وغداً يا هندُ، يا دُميةَ السندريلا، يا ذكر البط القبيح، ما زال كَما جاءكم حافياً، لكنه لم ولن ولا يُطاطي للزمن الديمقراطي، ربما يبيتُ ليلةً في مزبلة، أو في سجن، أو يموت كَمَدَاً أو غِيلةً أو ضجراً. المسؤول الثقافي: اتركوه سيموت فقراً كالتوحيدي. رغم أني أراهن أنه لم ير ولم يقرأ أخلاق الوزيرين، ولا المقابسات ولا شيئا للتوحيدي. نعم سوف يموت وتموت، والموت صديق، والفقر صديق، والحزن صديق. ليس كما تظنون، اشترى نفسه، وبِعتم بِثَمنٍ بَخس، مرات ومرات عديدة وقفَ عند مفترق الطريق، بين الجفاف والطراوة، إلى أين يتجه؟ هذا اليمين، هذا اليسار؟ القلب يعشق الاخضرار ويذوب في الطراوة. لا شيء بحسب إدوارد سعيد يستحقُ التوبيخ أكثر من تلك الطباع الذهنية للمثقف التي تغريهِ بتجنب المخاطر، والابتعاد عن موقف مبدئيٍّ صعب، يُدرك جيداً أنَّه الصواب، يقرر ببساطة ألاّ يتخذهُ، يخشى أنْ يبدو مولعاً بالجدل، يريد الاحتفاظ بسمعة حسنة كإنسان متزن ومعتدل، يأمل أنْ يُدْعَى مرةً أخرى إلى مهرجان، يتبادل الابتسامات مع أوجهِ البهجةِ المُستعارة ويُستشار في مسألة لغوية، ويكون عضواً في مجلس إدارة أو لجنة لها مَقامُها، ليظلَّ في دائرة الضوء، ونطاق الاتجاه السائد الذي يُعوَّل عليه، كما يأملُ يوماً أن يحصل على شهادة مغرية أو مديحٍ أو تكريمٍ من دار نشرٍ مغمورة، أو يمنحه الوالي قطعة أرض، أو منصب سفير أو ملحقاً ثقافياً أو يدفعَ إيجارَ بيتهِ. هذه الطباع الذهنية هي العامل الأقوى دون منازع لإفساد المثقف والثقافة والأدب وإذا كان بوسع أيِّ شيءٍ أنْ يَمْسَخَ حياةً فكريةً متقدة ويقضي على تأثيرها، وفي نهاية الأمر يقتلها فلسوف يكون قد دمج مثل هذه الطباع وترسيخها في النفس.
المــــــأزق الثقافـي الجديـــد
[post-views]
نشر في: 23 أكتوبر, 2012: 05:23 م