تأثرت كثيرا حين قرأت رواية (عائد الى حيفا ) لغسان كنفاني قبل سنوات لأنه عاد الى مدينته ووجد منزله محتلا ...كنت اشعربمرارته التي ولّدت لدينا كرها لامثيل له لكل من يحتل او ينتهك ارضا او منزلا لايمتلكه لأنه يقتل بذلك انتماء اهله له وذكرياتهم فيه ..قبل أيام عاش أحد العراقيين شعورا افظع حين سمع بتحرير قريته الكائنة في اطراف قضاء الكرمة من داعش ولم يغمض له جفن من فرط اللهفة للعودة اليها وتفقد منزله ومنازل اقاربه ..كان قد سمع بأن المنازل احرقت بعد تحريرها والاثاث ( تفرهد ) لكنه لم يصدق ذلك حتى يرى بعينيه ..كان واثقا من سلامة قريته من تلك العقوبة غير المفهومة من قبل بعض افراد الميليشيات للمناطق المحررة فقريته اشتهرت بعلاقتها المتينة بقوات الجيش اذ كانت حضنا دافئا لهم وكم أكل الجنود من زاد اهلها واستحموا في حماماتهم وحضروا اعراسهم ومجالس عزائهم لدرجة انهم اكتشفوا مدى الطائفية في تصريحات الساسة وسلوكياتهم بينما الاهالي يفتحون منازلهم واذرعهم للجيش ويحاربون الطائفية بتآلفهم معهم ...وحين ظهر في الأفق شبح داعش ساندت تلك القرية افراد الجيش فآوتهم في منازلها وضمدت جروح بعضهم لكنها لم تتمكن من مقاومة الخطر الجسيم ففيها من النساء والشيوخ والاطفال مايستحق الحماية لذاغادروها نازحين الى العاصمة والى محافظات اخرى ولم يتمكنوا من حمل أي شيء معهم لأنها تحولت الى ساحة معركة رهيبة...كان واثقا ان من قدموا لهم يد الود والعون لن يخذلونهم وسيصونون ديارهم لحين عودتهم فهم سور الوطن ودرعه الحصين ...
قبل ايام ، عاد الى القرية ليتفقدها فقط ثم يعيد اسرته واقاربه لها فقد ترك فيها كل مايملك ..منزله الفخم ،سيارته الخاصة الفارهة ، ارضه الزراعية ، احواضه المخصصة لتربية الاسماك ومعمله الكبير لتصنيع علف الاسماك ...كانت صدمته لاتوصف حين وجد منزله ومنازل الآخرين وقد تحولت الى ركام متفحم وكذا الحال مع السيارات الحديثة أما الأثاث فيبدو انه نهب قبل حرق المنازل ..حتى المعمل الذي كان مغلقا وبعيدا عن احداث المعركة لم يسلم من التسليب ..شاهد بعينه ملايين الدنانير التي اسس بها حياته وعمله وقد تحولت الى رماد وشعر بأن كيانه الذي بناه بعرقه وسهره وتعبه قد انهار تماما ...كان الوجع الأكبر ليس الفعل نفسه بل النوايا ..شاهد آثار الميليشيات وتمنى لو يعرف لماذا تتصرف بكل تلك الحرية والتمرد ..انه يدرك جيدا رفض قوات الجيش لهذه الافعال ويثق في توصيات رئيس الوزراء والمرجعيات الدينية لمقاتلي الجيش والحشد الشعبي بالحفاظ على الدماء والاعراض والاموال عند الدخول الى المناطق المحررة فلماذا تصدر مثل هذه الافعال اذن من مجاميع توصف دائما بالميليشيات ( الوقحة )او العصابات دون ان يتم السيطرة عليها لامن قبل الحكومة ولامن قبل المرجعيات الدينية ..اذا كانت تلك المجاميع تتصرف وفق مشاعر انتقامية فالخطر المقبل في المناطق الساخنة اكبر من خطر داعش لأن ابعاد عدو غريب عن البلد ومرفوض من ابنائه اسهل بكثير من القضاء على حقد دفين ونوايا ثأرية ...
القى العائد نظرة مريرة على قريته الخابية وغادرها وهو يجرجر اذيال الخيبة والحسرة فماكان يتوقعه هو اعادة ترميم وإعمار القرية لكن ماينتظرالعراقيين الآن هو ترميم النفوس وإعمار الود بينهم ..
عائد الى (القرية)
[post-views]
نشر في: 27 مارس, 2015: 09:01 م