ظلّت الصورة المشهورة لأبرز فلاسفة القرن العشرين جان بول سارتر هي تلك التي يجلس فيها على رصيف أحد مقاهي باريس الشهيرة يدخّن البايب، وحوله عدد من المريدين.
قبل نصف قرن، كان فيلسوف الوجودية، ألمع اسم أدبي في بلاد العرب، الكل حاول أن يسير على خطاه، أديب متمرد وفيلسوف يثير الزوابع أينما حلّ، مواقفه السياسية تبهر الجميع وحين رفض جائزة نوبل للآداب قال عنه يوسف إدريس، الآن فقط نستطيع أن نقول أنّ هناك كاتباً يمكن أن نطلق عليه لقب ضمير العصر.
أصدر العام 1938 روايته الغثيان لينتقل معها دفعة واحدة من عالم المجهول إلى عالم ضاجّ وصاخب، إلى أي مدى كان سارتر مدركاً أنّ هذه الرواية ستؤسس لمنهج فلسفي جديد نعرف جيداً أنه حتى السنوات الأخيرة من حياته لم يكن يؤمن بأنه فيلسوف وجودي، وقال ذات يوم ساخراً من سؤال لصحفي عن الفلسفة الوجودية: " أنا فيلسوف في الوجود ولم أسمع بالوجودية من قبل".
أتذكّر أنني في منتصف السبعينيات كنت متلهفاً لقراءة كتب سارتر، ومن سوء حظي أن أول كتاب يقع بيدي كان مجلداً ضخماً بعنوان " الوجود والعدم "، مرفق به عنوان فرعي يقول،إن هذا الكتاب هو بحث في الأنطلوجيا الظاهراتية، ترجمة عبد الرحمن بدوي، لم أستطع حل لغز المقدمة التي كتبها المترجم وفيها أسماء لم أسمع بها من قبيل:هوسرل وهايدجر، وحاولت أن أجد ضالتي في كتاب صغير كتبه الصحفي المصري انيس منصور بعنوان "الوجودية" فوجدته يوصينا نحن الذين نريد الاقتراب من قلعة سارتر من أن:" أيسر الطرق في الفلسفة الوجودية هو القراءة عن المذهب الوجودي، وبعد ذلك يجيء الاقتراب من الفلاسفة الوجوديين، أما الذهاب إلى الفيلسوف مباشرة فإنه صعب والأفضل أن نذهب إلى معارفه أو أصدقائه أو جيرانه ".
لقد تعددت المحاولات لتبسيط فلسفة سارتر. وكان الفيلسوف الفرنسي نفسه يحاول أن يبسّط مقولاته"ومن الطريف أن عميد الأدب العربي طه حسين حين قام بأول محاولة لتقديم سارتر إلى العربية في منتصف الأربعينيات واجه هجوما شديدا من اشهر صحفيي مصر آنذاك محمد التابعي الذي كتب في افتتاحية مجلة آخر ساعة من ان " الوجودية اتجاه منحل ضد الأخلاق يدعو للإلحاد، والفردية والتفكيك الاجتماعي ".
منذ أن خرج سارتر بنظريته الفلسفية هذه، والعالم يعيش في صراع وجودي، الصين " الشيوعية " الآن هي الاقتصاد الأول في العالم، وعلى مستنقعات آسنة أقام " المرحوم " لي كوان بلداً نسبة الرفاهية فيه تتقدم على فرنسا وألمانيا،، فيما قرر لولا دي سليفا أن يُدخل البرازيل عالم الثماني الكبار.. لا حدود للرفاهية في بلدان سارتر وهيدجر، والياباني مشيما، إنها وجودية البحث عن افضل الطرق لإسعاد الناس، لا وجودية الخيال التي حدّثنا عنها إبراهيم الجعفري قبل أسابيع التي اكتشفنا من خلالها أنّ سارتر الرافض لكل قيود المجتمع كان من الرهبان و" اتجه اتجاهاً روحياً تجريدياً " هذه العبارة لم يقلها عبد الرحمن بدوي ولم يشرحها سهيل إدريس، إنها من جودية وزير خارجيتنا، الذي فاجئنا بقبوله لبيان الجامعة العربية حول التدخل في اليمن، ثم نراه بعد ساعات يصدر بيانا يرفض فيه الحل العسكري.انها وجودية من نوع خاص جدا.
في كتاب ممتع بعنوان في صالون العقاد يخبرنا مؤلفه أنيس منصور أنه سأل العقاد يوماً عن رأيه بترجمات عبد الرحمن بدوي لسارتر
يقول ماهي لحظات وانطلقت مدفعية الأستاذ، قال: يا مولانا عبد الرحمن بدوي بتاعكم ده رجل جاهل..
ولمّا رآني الأستاذ غاضبا وقد امتقع وجهي. قال: يا مولانا أنا سأريحك.. إن أستاذك عبد الرحمن بدوي هذا ".... "
هاها.. هاها..
لا وجودية هنا
[post-views]
نشر في: 27 مارس, 2015: 09:01 م