عندما حصلت على شهادتي الجامعية الأولى في علم النفس عام 1980، رشحني أحد اساتذتي للعمل في عيادة نفسانية تعود لصديق له في بغداد. يوم واحد في الأسبوع وبراتب مغر. شتكره منها يالمتخرج توّك؟ كان اليوم الاول لدوامي بالعيادة ممتعا. طالبة لا ينقصها الجمال سوى انها تقضم اظافرها بدون انقطاع مما يجعلك تشفق على تشويهها لأصابعها. أبكتني على حالها. كان علي ان اخفي رأفتي او تعاطفي معها. هكذا هي قواعد العلاج النفسي ظالمة. اسأل صاحب العيادة عن السبب. يرد علي بصرامة انها قواعد المهنة فلا تناقش. رجعنا النفّذ ثم ناقش. مشكلة تلك الجميلة شعورها ان لا أحد يحبها في الجامعة بينما زميلاتها كل واحدة لديها حبيب او أكثر. وجيب ليل وخذ عتابة. ولولا قواعد المهنة "الصارمة" لقرأت عليها قول عراقية عانت مثلها:
بطلت حتى النار ما تفعل توج
يالمالك محبين اخذ الخله وهج
وكأي فرحة عراقية لا تدوم، استدعاني صاحب العيادة ليعطيني مهمة جديدة: ان اقنع مراجعيه بأنهم مرضى نفسيون. بصراحة تصورتها سهلة جدا، لكني وجدت، في ما بعد، انه لو ارسلني لجبهة الحرب مع ايران لكانت اشوه مليون مرة. أبدأ بالعيني والاغاتي، وشويه شويه مع المراجع. لكن ما ان أصل للزبدة واوحي له بانه يعاني من خلل نفسي، وتعال يا عمي شيّلني. شتائم وعياط ومسبة واحيانا بوكسات. لا اطيل عليكم في واحدة من تلك العيطات مزق أحدهم قميصي من الغضب فلم اجد بدّا غير ان أدخل على المدير وأقول له: الرزق على الله دكتور. ومن يومها لليوم كرهت الشغلة رغم رزقها الوفير.
أي مريض نفسي لا يعترف بانه كذلك اغسل ايدك منه حتى لو جاء معك فرويد لعلاجه. كما الطائفي بالضبط، يتسودن وبفقد توازنه لو قلت له انك طائفي. الفارق ان المصاب بالمرض النفسي لو واجهته يهدّ عليك وحده، بينما المصاب بالطائفية يفزع "اخوانه" المرضى لينصب لنفسه خيمة عزاء كي تأتيه المعزيات كل وحده لسانها شطوله. ويبوي يبوي.
وتعود المصيبة مرة أخرى. قواعد المهنة تمنع عليك انكسار قلبك على هؤلاء ولا تبيح لك السكوت لأنك تراهم خطية. وان سكت، ولو الى حين، اكراما لجرح العراق الكبير واكتفيت بـ "التلميحات القريبة من التصريحات" بحسب قول الشاعر احمد عبد السادة، سيظنك المريض خائفا منه.
ولا يهمك يا عراق .. والله على مودك كل العذاب يهون.
وتعال يا عمّي فرويد شيّلني!
[post-views]
نشر في: 29 مارس, 2015: 09:01 م