TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عصر "لي كوان" وزمن "عبعوب"

عصر "لي كوان" وزمن "عبعوب"

نشر في: 29 مارس, 2015: 09:01 م

الشاعر الساخر والصحفي الملا عبود الكرخي، ظاهرة قلما تتكرر في عالم الشعر ودنيا القلم والكتابة، فقد عاش الرجل رحلة طويلة بمفارقاتها وصراعاتها فاستطاع من خلالها الغوص إلى قاع المجتمع حيث البسطاء من الناس وهموم الحياة واللهاث وراء أبسط متطلبات الحياة.
كان يكتب وهو يعيش فلم يكن أدبه نابعاً من الحياة كما يقال، أنه الحياة نفسها، تلك الحياة التي عاشها واكتوى بنارها، لم يعرف الهدوء والعزلة أو الأبواب المغلقة والنوافذ المسدودة، فالحياة عنده لا فرق فيها بين البيت والشارع أو بين العمل والعلاقات الإنسانية المختلفة.
عاصر حربين عالميّتين، وكان شاهد عيان على أحداث وسنوات جسام، ظل فيها حاضراً بشكل يومي ليصبح وبجدارة ضمير شعب بكامله، من خلال قصائد ساخرة أصبحت ملاذ الناس ومضرب أمثالهم.
في بدايات القرن الماضي عندما لم يجد الكرخي في مجلس النواب حينذاك، من يمثل الشعب بشكل صادق وحقيقي، كتب فيهم قصيدة أصبحت مثلاً حتى يومنا الحاضر عنوانها " قيّم الركَاع من ديرة عفج " يقول:
برلمان أهل المحابس والمدس
عكب ما جانوا يدورون الفلس
هسة هم يرتشي وهم يختلس
ولو نقص من راتبه سنت انعقج
قيّم الركّاع من ديرة عفج
لقد استطاع الكرخي ان يحول المعارضة إلى سخرية من الفساد والاستبداد، بمفرده امتلك قدرات لفظية وعقلية ما زلنا نعيش عليها، ولهذا وجدت كتاباته استجابة عند كل الناس، حيث لمست قلوبهم وخيالهم وفكرهم.
في هذه الأيام نتذكر كبير الساخرين وجليس الضعفاء، ونحن نقرأ في الانباء أن امين بغداد السابق الملا "عبعوب " يقضي فترة استجمام في ولاية فلوريدا الاميركية، الحاج عبعوب الذي صدع رؤوسنا بزرق ورق مدن العالم، يلتقط السيلفي في شوارع اميركا، اين هي مخافة الخالق التي صدع رؤوسنا بها "ياحاج"؟
كنت انوي اليوم ان أكتب عن رحيل لي كوان احد ملائكة هذا العصر، ولكنني اخشى ان يقول البعض: لقد صدعت رؤوسنا باحاديثك العجيبة عن كوريا الجنوبية وفيتنام وسنغافورة، وعن اصرار الرئيس البرازيلي على تحويل 160 مليون إنسان من الفقر المدقع إلى الرفاهية الاجتماعية. ياسادة هذا ما يفترض ان نكتب عنه؟ تأملوا حياتنا، فعمّاذا نكتب؟ تأملوا معي السذاجة السياسية وغياب العدل والقانون، ورائحة الكذب التي تخرج من أفواه المسؤولين، عماذا نكتب؟ عن الفضائيات التي تمارس غسيلا لادمغة البسطاء؟! عن الذين يصرون على أن يحققوا لهم ولأهلهم كل شيء، ولم يحققوا أي شيء آخر للمواطن؟ عن الدولة التي تخطف فيها المليارات في مشاريع فاشلة؟
مات لي كوان بعد ان ترك وراءه بلادا صغيرة لكنها تنعم بالاستقرار والرفاهية، وبمنافسة كبرى مع الدول على المراكز الاولى في سعادة الانسان، جاء الرجل النحيف من جزيرة غارقة في الامراض والتخلف والعوز، طلب من الناس ان تعمل لا ان تهتف له، أغلق السجون وفتح المدارس، وطبّق حكم القانون لا حكم دولة القانون،، لم يفضل طائفة على اخرى رغم ان سنغافورة متعددة الطوائف والأعراق، فقط أراد من الجميع ان يتساووا في الحقوق والواجبات.
كان لي كوان يقول إن الصراحة وكشف الحقائق امام الناس هي التي تبني سنغافورة قوية.. يحزننا ياسيدي السنغافوري العظيم أن نقول ان الحقيقة لدينا هي مجرد بيانات كاذبة، ننشرها بين البسطاء ليل نهار، نحن ياسيدي نعيش في ظل ساسة يفعلون أي شيء من أجل الفوز بقطعة من " كعكة " هذه البلاد.. ورحم الله الملا عبود الذي قال ذات يوم ساخرا:
حطوا علينا نوبجي " فنجان" ما يفهم حجي
أحمق ملعب سختجي أمعفص امقعمر قمعري

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. Zaid

    السلآم عليكم..... بارك الله بك ... من بلآد الغربة أقرأ يوميا عمودك ... ثق أن ما تكتب هو لسان حال العراقي الآصيل .. لايهمك نباح الكلاب فقافلة مبادءك لها تأثير السيف ...

  2. ابو اثير

    ياريت ياسيدي الكريم عبعوب وعلى من شاكلته من المسؤلين والسياسيين وشلة الزعامات الورقية والطائفية تولي ألأدبار صوب الخارج وتترك الشعب العراقي المظلوم ليأخذ طريقه بعيدا عن ألأصطفافات المذهبية والعرقية وحتى يرجع كالسابق عراقا موحدا يتشارك في الفرح والأحزان وت

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram