من حكايات الناس ومعاناتهم، جاء مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف "فهد" من أسرة بسيطة ضربت جذورها في ارض العراق، كان والده مثل معظم العراقيين آنذاك فقيراً مثل الأسى، وكادحا مثل الموت، وتزوج من فقيرة أخرى، صبية موصلية تتقاسم خبزها مع أناس أكثر فقراً، في بغداد تسكن هذه العائلة الصغيرة، بيتاً عتيقاً ورطبا، وكأن القدر أراد أن تقع هذه الأسرة في رحلة طويلة من المعاناة، من أجل وطن مفدى سلفاً في نفوسهم ومشاعرهم.
بعد وفاة الوالد تبدأ العائلة هجرة ثانية إلى البصرة، ثم هجرة ثالثة إلى الناصرية، هناك يعارك الفتى يوسف الحياة، في الصباح يدير معملاً صغيراً لصناعة الثلج، وفي المساء يقطع تذاكر ماكنة سينمائية، وهو في هذا الزحام يواصل كتابة حكايات عن فلاحي الناصرية وعمال البصرة، ويرسلها الى جعفر ابي التمن لنشرها في صحيفة المبدأ، لم يلتفت أحد بادئ الأمر إلى كتابات هذا الشاب الذي أحبه أهل الناصرية جميعاً، كان يطبع مقالاته على آلة طابعة عتيقة، هي نفسها التي طبعت أول منشور للحزب الشيوعي العراقي.
وعندما أصدر رفائيل بطي جريدته " البلاد " واصل فهد نشر تقاريره وأعمدته فيها مراسلا للصحيفة من الناصرية، فاضحاً الأيادي الخفية التي تدير لعبة الكراسي في الوزارات العراقية.
في تلك الفترة يتعرف على الفكر الماركسي ليبدأ العمل على تشكيل حلقات تضم مناضلين يهتمون بهذا الفكر، وحرر في بداية الثلاثينيات بياناً وقعه بتوقيع " عامل شيوعي" قدم بسببه إلى المحاكمة التي قال أمامها: " لقد كنت وطنياً وعندما أصبحت شيوعياً صرت أشعر بمسؤولية اكبر تجاه وطني".
الكتابة عن ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، تفترض فريضتين: التوله بالناس، والوله بالوطن وما من احد قاربهم في كليهما معاً، وما من أحد في درجتهم أو في مرتبتهم، وما من أحد في عشقهم وحرصهم وبذلهم.
يخبرنا كتاب سيرة باني الحزب الشيوعي بان الرجل قرر منذ العشرينات أن يتفرغ إلى عشقه الخاص " الناس " حتى أن كثيرين ظنوا، أن هذا الشاب الخجول اختلى بنفسه وعاهدها: أن يكون الكفاح الوطني الطريق إلى حياة حرة وكريمة. هكذا عاش على النضال في سبيل الحرية واستشهد على وله حب الناس.
لم يكن مجرد سياسي بل كان ثائرا جامحا، ساحرا إذا حضر، وساحرا إذا غاب، ولا يغيب الذين يهيمون في قضايا الناس ويتيهون في ربوع الوطن، ويتنقلون بين قراه ومدنه ليصنعوا أثرا بعد اثر.
نقرأ سيرة فهد اليوم بعد 81 عاما على زرعه الذي نثره في ارض العراق من شماله إلى جنوبه، لنكتشف هذه التجربة المثيرة على طريق الأحزان والآلام والظلم والنضال والاهم المحبة.
نقرأ سيرة العراقي يوسف سلمان يوسف، دائما نتعلم منه، دائما نستدل على القضايا الإنسانية في عالم بالغ التوحش والأسى، هذه المرة يعلمنا"فهد"كيف يكون الإنسان متبصرا يعطي لنفسه حق الذكر والفخر، وتذهلنا الجرأة التي كان يملكها، والشجاعة التي رافقته، والنضال الذي رفعه شعاراً.
على كتفَيه حمل فهد هموم هذا الوطن، تساعده كتيبة من المحبين، وليس صدفة أن جميع الشيوعيين أمواتا وأحياء، كانت خطيئتهم الوحيدة انهم احبوا أرضهم وأحلامهم ومستقبل أبنائهم، رجال ونساء نادوا بعراق حر وشعب مطمئن وحياة أمنة، طلبوا العدالة من أقبية المخابرات وعتمة السجون، لم يطلبوا امتيازات ولم يسعوا إلى مناصب، لم يسعوا الى الكراهية وانما المحبة، لم يطلبوا إلغاء الآخر وتجاهل التاريخ بل نادوا بالمساواة طريقا لبناء بلد جديد.
تعلمنا سيرة فهد ورفاقه، ان لا نعيش اسرى الماضي، لان الحاضر يستحق منا ان نناضل من اجل ان يصبح افضل وانقى.
سلاماً على مثقلٍ بالنضال
[post-views]
نشر في: 30 مارس, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 3
ابو سجاد
هل من المعقول ان هذه الارض لم تنجب غير الابطال التي انجبتهم في تلك المرحلة الماضية وهل اصبحت عاقرا اين اصبح الحزب الشيوعي اليوم لماذا هرب وتوارى عن الساحة واصبح مجرد ماضي يتذكره كبار السن ولم تتعرف عليه هذه الاجيال مجرد سماعهم هنا وهناك كان حزب اسمه الح
الشمري فلروق
شكرا لك ايها العزيز...على مقالتك الرائعه هذه.. هولاء نحن...هكذا كنا... وهكذا سوف نبقى... وسنبقى****
رعد الصفار
شكرا جزيلا لهذه المقاله الرائعه