أدى الممثل الراحل "بول ووكر" دورا في آخر فيلم من سلسلة أفلام "فاست آند فيوريوس"، والذي سيُعرض قريباً في صالات السينما – إلا أن الفيلم قد يجعلك تصاب بما يعرف بدوار ركوب السيارات، كما يقول الناقد السينمائي نيكولاس باربر.ربما يكون ملائماً لأي فيلم
أدى الممثل الراحل "بول ووكر" دورا في آخر فيلم من سلسلة أفلام "فاست آند فيوريوس"، والذي سيُعرض قريباً في صالات السينما – إلا أن الفيلم قد يجعلك تصاب بما يعرف بدوار ركوب السيارات، كما يقول الناقد السينمائي نيكولاس باربر.
ربما يكون ملائماً لأي فيلم أن تظهر فيه سيارات عديدة مسرعة تصدر صخباً عاليا عند استدارتها فجأة. لكن هذا الفيلم لا يتوقف أبداً عن إظهار السيارات وهي تنحرف بتهور، ويقودها أشخاص متقلبو المزاج.
بينما تستريح في مكانك لتشاهد فيلماً مثيرا ذا أحداث متسارعة، يخرج إلينا شخص ما في الفيلم ليلقي موعظة رزينة عن أهمية العائلة.
ثم، وفي اللحظة التي تظن فيها أن الفيلم ليس في الحقيقة إلا فيلماً متزناً يحكي قصة حياة واقعية، يظهر شخص ما وهو يقود سيارة أسقطت من طائرة، لتهبط على طريق جبلية تقع آلاف الأقدام أسفل منها، وبكل سلام وأمان.
وعندما تتقبل الأمر وكأنه لقطة من أحد أفلام الرسوم المتحركة، مع إضافة وشم الى أجساد البعض، يذكّرك مشهد كئيب من الفيلم بأن أحد نجومه (بول ووكر) قد فارق الحياة بينما لا يزال الفيلم قيد الإنتاج.
تتمايل المشاهد مع بشكل مفرط، حتى إن بعض المشاهدين سيشعرون وكأن أحداً ارتطم بهم بسيارته من الخلف.
كان أول فيلم من هذه السلسلة، والذي أنتج عام 2001، معقولاً نسبياً؛ إذ دارت قصته حول عميل من مكتب التحقيقات الفيدرالي (يؤي دوره الممثل بول ووكر) في مهمة سرية لكشف عصابة تجري بطريقة غير قانونية سباقا للسيارات في شوارع المدينة.
لكن كل فيلم لاحق في هذه السلسلة كان أكثر جنوناً وسخفاً مما قبله. والآن وصلنا إلى مرحلة نرى فيها ذلك الفيلم وهو يقدم خليطاً ما بين فيلم "مهمة مستحيلة" لـ"توم كروز" وفيلم "المُستهلَكون" لـ"سيلفستر ستالون".
فمثل "مهمة مستحيلة – بروتوكول الشبح"، يظهر فيلمنا حماقة تجسسية بمستوى عالمي وبتقنية عالية، تضم الكثير من عمليات القرصنة بالكمبيوتر، وناطحات السحاب بدولة الامارات العربية المتحدة.
ومثل فيلم "المستهلَكون"، يتضمن الفيلم أصدقاء حمقى لهم أياد خفيفة تضغط على زناد مسدساتهم وبنادقهم الآلية: في هذا الفيلم من السلسلة، ينضم "كيرت راسل" و "توني جا" و "جيسن ستاثام" (وهو من "المستهلَكين")، إلى قائمة أصحاب العضلات، التي تشمل أيضاً "فان ديزل" و "دوين جونسن" و "ميشيل رودريغز".
وبالجمع بين هذين الفيلمين المتميزين، ستحصل على فيلم مسرف في سخافته، ويمكنه أن يكون محاكاة ساخرة لتجاوزات المراهقين في هوليوود. وتتضمن الغالبية العظمى من الحوار في الفيلم شعارات لمفتولي العضلات، ملائمة للقطات ومشاهد إعلانية مقتضبة عن الفيلم.
فالشخصيات من الذكور يتميزون بعضلات ذراعين يخجل منها بطل فيلم "الهيكل"؛ أما الشخصيات من الإناث فجرى عادة تصويرها بمستوى معين وهُنّ يبتعدن عن الكاميرا بتبخترٍ. أما حبكة الرواية فتسبب الصداع بغبائها، بداية من المشهد الافتتاحي.
لكن أكثر ما تجده أخرقاً في هذا الفيلم هو مشاهد الأحداث المثيرة المولّدة بأجهزة الكمبيوتر، والتي تنافي جميعها كل قوانين الفيزياء. فنرى، مراراً وتكراراً، سيارات تحطم جدراناً زجاجية، ويثقبها الرصاص المنهال عليها، وتسقط نحو الأسفل بسرعٍ جنونية، ومع ذلك يبدو سائقوها في مظهر جيد، وهم متأنقون على الدوام.
وما يُلاحظ بشكل أكثر هو عدم تأثر أي من المارّة الأبرياء بكل التدمير الذي يحدث. وفي الخاتمة المليئة بالانفجارات القوية، تتم تسوية معظم مدينة "لوس أنجليس" بالأرض، لكن يبدو أن أحداً ما كان ذا بصيرة كافية ليخلي المدينة من ساكنيها في الوقت المناسب.
الحاجة إلى السرعة
تتحطم المباني بشكل غير منطقي وبدون تبعات، ولا يؤدي ذلك إلى شيء. ويسوق بطل الفيلم "ديزل" سيارته عبر حافة جبل، ليطل علينا من أسفله بدون أية خدوش.
وعندما نرى ذلك، سنفترض أنه حتى لو حاول غزاة من كوكب آخر طمس معالم كرتنا الأرضية، فان هذا البطل سينجو منها سالماً وبدون أية إصابات. (ربما علينا أن نتطلع إلى ذلك في الجز الثامن من ذلك الفيلم).
إذا كنت منحازاً إلى ما هو بعيد عن الأخلاق، وفوضى الهوس باستعمال السيارات، فان فيلم "فيوريوس 7" يلبي الطلب بدون شك. تتسارع المقاطع المؤثرة لتتبعها مقاطع مؤثرة أخرى تتجاوز الحدود، وبسرعات جنونية للسيارات. أما الحيوية المبهجة للحركات فتكاد تكون للتعويض عن عدم المنطقية فيها.
ومع ذلك، تكمن العقبة الخفية في أن الفيلم لا يرضى بكونه خيالاً جامحاً يخدّر الذهن، ومفرطا بأشراره ومآثره. إذ يصرّ الفيلم على كونه يقدم مواعظ وجدانية عن الصداقة والقيم العائلية أيضاً.
ومثل فيلم "المستهلَكون" وتتماته، يُصرف جلّ وقت الفيلم على إظهار العنف بشكل تافه، أما المتبقي من وقته فيظهر عاطفية البطل وعلاقاته الحميمة. ويتم التعامل مع وفاة أحد أفراد العصابة وكأن ذلك يمثل جريمة مفجعة بحق الإنسانية.
وكلما تحدثت الشخصية التي يمثلها "ووكر" مع زوجته (تقوم بدورها يوردانا بروستر)، فإن الكلام المتبادل بينهما يبدو وكأنه بين شخصين مهووسين، ويبدو مثيراً للغثيان أيضا، حتى أنك تظنّ أنه تم تشخيص إصابته بمرض عضال.
ويحكي لنا الفيلم مراراً بأنه لا ينبغي علينا أن نأخذ أي شيء فيه على محمل الجدّ. ولكنه في نفس الوقت يظل يخبرنا أنه ينبغي علينا أن نعتبره جدّياً وحقيقيا.
تظهر هذه التقلبات متنافرة بما فيه الكفاية في كل الظروف، لكنها مؤلمة بشكل خاص في أعقاب مصرع "ووكر" في حادث سيارة عام 2013. فقد أعيدت كتابة سيناريو الفيلم، وتم تركيب صور مختلفة في المشاهد التي ظهر فيها بحيث يصبح الفيلم بمثابة توديع عاطفي للممثل وشخصيته في الفيلم.
وبينما نرى إشارات متكررة إلى وفاته بأشكال مخيفة، فإن لها بالتأكيد تأثيراتها المنشودة. في العرض الافتتاحي الذي حضرته، جعلت المؤثرات رجالاً كباراً يمسحون قطرات الدموع من أعينهم خلال ذلك الوداع النهائي.
إلا أنه ليس هناك مفرّ من المفارقة الكريهة مع مصرع "ووكر" في سيارة "بورش" بسرعة تفوق ضعف السرعة المسموح بها.
كما لا يمكن إنكار الرياء الظاهر في الفيلمٍ الذي يقدم وداعا وإجلالا لنجم سينمائي لاقى حتفه نتيجة قيادة خطرة لسيارته، وفي نفس الوقت يعرض مهزلة تظهر تأكيد شخص ما على أن أن القيادة الخطرة للسيارات ليست محفوفة بالمخاطر، مثلها مثل من مجرد لعبة القفز.
من المؤكد أن فيلم "فيوريوس 7" هو أكثر أفلام هذه السلسلة ربحاً. لكن لو فكرت ملياً في الفيلم، فإنه سيسبب لك دواراً عند قيادة سيارتك.
عن: BBC