المنطقة الخضراء المحصنة الواقعة وسط العاصمة بغداد ، كانت تعرف سابقا باسم حي التشريع، تضم اليوم مبنى مجلس النواب والحكومة وسفارات اجنبية فضلا عن منازل كبار المسؤولين الحاليين وبعض السابقين ، الطريق من مقر البرلمان الى الحكومة يقدر بمئات الامتار ، بمعنى ان السلطة التشريعية تجاور التنفيذية ، لكن على مدى السنوات الماضية لم تكن العلاقة بين الجارتين ودية بل متوترة، يسودها تبادل الاتهامات تصل في بعض الاحيان الى حد التقاطع ثم اندلاع ازمات سياسية ، تؤدي بالنتيجة الى حصول تدهور ملحوظ بالاوضاع الامنية ، خلّف بجهود المتصدين للعملية السياسية نكبة حزيران العراقية .
على مدى الدورات التشريعية الماضية بكتلها الكبيرة المعروفة ، تعطل الدور التشريعي ، ومازالت العشرات من مشاريع القوانين المتعلقة بتنظيم الحياة السياسية ، بحاجة الى المزيد من البحث والدراسة ، على الرغم من اعلان الاطراف رغبتها في تمرير القوانين المعطلة ، وارساء قاعدة سليمة للعمل المشترك لقيادة البلاد الى بر الامان .
المشرعون في حي التشريع اي المنطقة الخضراء ، يطلقون يوميا مئات التصريحات يجددون فيها حرصهم على خدمة مصالح شعبهم ، بتجاوز جميع الازمات ، بالتمسك بالدستور والبرنامج الحكومي لعبور نفق مظلم عبر استخدام طريق التشريع السريع لتحقيق الاهداف الوطنية ، بعيدا عن الاصطفافات السائدة في المشهد العراقي، اصحاب التصريحات يرفضون المذهبية والطائفية الفئوية والكتلوية والجهوية ، لكنهم في الوقت نفسه مازالوا يخوضون الصراع لتحقيق التوازن ، وخلاف الحصول على رئاسات الهيئات المستقلة وصل الى اعلان تشكيل وفد كلف بمهمة زيارة المراجع الدينية في النجف لابداء رأيها ثم اعتماده في تحقيق عدالة التوزيع.
طريق التشريع السريع قصير جدا وسلوكه لا يحتاج الى عجلات ذات دفع رباعي ، ومادامت الحكومة تجاور البرلمان بالامكان تسوية الخلاف ، وكل طرف يأخذ نصيبه طبقا لحساب النقاط ، بالاضافة الى منح المكونات والاقليات استحقاقها الوطني ، وللاطراف المشاركة في الحكومة سواء من كان متنفذا او مهمشا يعاني الاقصاء يستطيع الحصول على حقوقه كاملة ، ليتفرغ لتوسيع قاعدته الشعبية استعدادا لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة.
المنطقة العربية اليوم تشهد نشاطا ملحوظا للعفاريت ، احتمالات نشوب حرب اقليمية متوقعة، والطريق السريع نحو المزيد من الكوارث امتدت على مساحة واسعة من الارض تجاوزت خطوط سايكس بيكو ، العفاريت وجدت بيئتها المناسبة للتناسل ، وساسة العراق الجديد انشغلوا بالهيئات المستقلة ، من الاجدر بتسلم شبكة الاعلام العراقي ، والنزاهة ، والاتصالات ، وهيئة الحج والعمرة وهيئة ادارة الستوتات بمنطقة الشورجة.
يبدو ان الطبقة السياسية العراقية وبعد مرور اكثر من عقد على الغزو الاميركي والاطاحة بالنظام السابق ، تحرص على تحقيق مكاسبها بالحصول على المزيد من المواقع والمناصب ، ويدور داخل الكتل النيابية حديث عن اسماء مرشحين لتولي الهيئات المستقلة ، تمهيدا لعقد صفقات بموجب قاعدة "الموافقة المتبادلة" بالتصويت لصالح المرشحين بصرف النظر على الكفاءة والخبرة، وسلوك طريق التشريع السريع .