اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اوهام الانتصار الفردي

اوهام الانتصار الفردي

نشر في: 1 إبريل, 2015: 09:01 م

ليس هدف هذه السطور التقليل من اهمية التضحيات الشجاعة التي قدمها الاف الشباب العراقيين من كل المناطق، في مواجهة مع اشرس جماعة عنفية في العالم هي داعش. وكل الدنيا تراقب باهتمام هذه الشجاعة التي يجب ان تستثمر في "ولادة جديدة" للامل والارادة، ولولاهما لما اتيح النصر.
لكن هذه السطور تريد ان نفكر بعمق في "معنى حاجتنا للعالم". ونفكر بالحساسية المبالغ فيها، والتي نسمعها على لسان كثير من العراقيين، وهم يخشون ان تجري سرقة نصرهم! فيصرون على ان النصر عراقي محظ. بينما المطلوب هنا ان نتذكر ان لدى الامم الكبيرة التي قدمت المساعدة، الف نصر ونصر، وهي غير محتاجة فعليا لسرقة نصرنا. انهم يذهبون الى المريخ ويعودون مرتين في الشهر، ويطورون العقاقير التي تبقي زعماءنا وجنودنا على قيد الحياة، وتطور الاسلحة والتكنولوجيا، وتصنع لكم السيارات ومشتقات الوقود، وكل سبل القوة والرفاهية. انها دول تكاد تمل من الانتصار، ولا تزاحمكم على انتصاراتكم في هذه المنطقة او تلك، لكن هذه البلدان تريد ان تقوم بتفكيك الرسائل اللغوية والعاطفية والسياسية، التي تتضمنها كلماتنا.
ان ما يهم الدول الكبرى هو الاتجاه الذي سنسلكه بعد تضحياتنا وانتصاراتنا. هل سنطرد داعش، لكي نبحث عن حرب اخرى ونواصل لعن اوربا وامريكا والتصفيق لروسيا، كما كان يفعل صدام حسين؟ ام اننا سنأخذ الدرس من ازمنة الموت، لنذهب ونحاور الدنيا، (كما فعلت طهران)، ونبرم الصلح ونحدد المعنى العلمي والوطني للتعاون، ولنصبح شريكا مسؤولا في سياسة المنطقة وامنها، في ضوء اهميتها للعالم؟
ان التضحيات العراقية الشجاعة، وكل تلك الارادة في دحر داعش، هي مكسب كبير اعاد لنا الثقة بالنفس. لكن هذا المكسب بحاجة الى حماية واستثمار صحيح، كي لا يموت النصر. وهذا يعني انك مهما كنت محبا لوطنك وقويا، فانك لن تتمكن من الانتصار بمفردك، لانك لا تحتاج الدنيا لتحصل على اسناد عسكري فقط، بل ان شبكة المصالح المشتركة كبيرة ومتعاظمة، وحاجتك الى العالم المتقدم تتدخل في كل التفاصيل، الدبلوماسية والاقتصادية، والعلمية والعمرانية، وبالتعاون معهم تحمي فلوسك وتطور مكانتك في سوق النفط، وتشتري خبرات البناء والتنمية، وبالعلاقة المتينة مع الدول العظمى، تبني سمعتك الدولية وتحصن هيبتك امام الخصوم الصغار والكبار!
النصر اذن ليس فرديا، وسبق لبلادنا ان تعرضت للتدمير بضع مرات، لان صدام حسين شعر ان في وسعه ان ينتصر بمفرده، وانه ليس بحاجة الى علاقة طيبة بجيرانه ولابمحيطه الدولي، والنتيجة ان خصومنا استغلوا ذلك لتدميرنا بأبشع الاشكال، وها نحن منذ سنوات طويلة نحاول ان نتخلص من ذلك الارث وندخل فصل التعاون بدل الحرب، الا ان الاخطاء تتواصل وتخرب مزيدا من الفرص.
ان الاساسي في الامر، هو عزل دور حامل السيف عن رجل السياسة، فالتضحيات التي نقدمها في ارض المعركة، يجب ان يتوفر لها غطاء سياسي يحميها، ودور السياسي هو تخليص لحظة الانتصار من الاوهام، وتعريف ما نحتاجه في الخطوة اللاحقة، وابرز ما نحتاجه اليوم هو اجراءات سياسية تثبت لشركائنا وللعالم اننا طرف موثوق ومسؤول نستحق المساعدة، خاصة وان خمسة ملايين عراقي يعانون من ويلات الحرب بنحو مباشر، بينما تعاني بلادنا عجزا ماليا رهيبا وفاتورة تسليح ثقيلة.
وحتى هذه اللحظة نجح فريق حيدر العبادي الى حد مقبول، في صوغ خطاب سياسي مناسب للحديث مع العالم. وننتظر الان اجراءات داخلية لن يقوم بها سوى الحوار الداخلي، الذي عليه ان يستثمر تضحيات الحشد والقبائل والجيش والبيشمركة. وجزء من احترامه لذكرى الشهداء، هو بناء سياسة استقرار وسلام بين المكونات، ومع الدنيا، حينها سيحق لنا ان نرقص فرحا بالانتصار على التخلف السياسي، قبل الانتصار على داعش التي كانت نتيجة لذلك التخلف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. ابو سجاد

    تحليل سليم ودقيق سيدي ان الانتصار الحقيقي يبدا من الداخل اذا تظافرت الجهود وماتت الاحقاد والثارات وتعززت الوحدة الوطنية هذا هو الانتصار اما اذا انتصرنا على مجاميع ارهابية جاءت من اجل تدمير بلد وتاريخ وتعلم جيدا انها لاتستطيع مسك الارض طويلا بسبب رفض جميع

  2. Wisam

    مقال جيد جدا مشكور عليه استاذنا وارجوا ان يصل لصناع القرار والساسة في عراقنا الحبيب. ولايضن الشعب العراقي ان هناك من يكرهه الا ماندر بل الانسان يفرح عندما يرى سلام واستقرار في العالم واطفال وشيوخ يضحكون ومطمءنين. شوف كم مليون عراقي في المهجر نفرح جدا عند

  3. محمد فريد

    سيد الطائي نعم نحو مع الكتل الوطنية للتغير ولكننا نغرد خارج السرب وما تقوله وهماً تدركه القلوب فبل العقول.وهو في باكورة الأخلاق وهي حسية ولم تكن ملموسة مادياً كاالعدل والشجاعة والنخوة والهمة الوطنية والإيثار أين نحن من هؤلاء المبتلون بالطاعون الطائف

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram